فإذا كان العبد يرجو شفيعًا من المخلوقين، فقد لا
يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار، فقد لا يأذن الله له في الشفاعة ولا يقبل
شفاعته.
وأفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم صلى
الله عليه وسلم، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لعمه أبي طالب بعد
أن قال: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» ([1])، وقد
صلّى على المنافقين ودعا لهم، فقيل له: ﴿وَلَا
تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ﴾ [التوبة: 84].
وقال الله له أولاً: ﴿إِن تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ سَبۡعِينَ
مَرَّةٗ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ﴾ [التوبة: 80]
فقال: «لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي لَوْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُم
لَزِدْتُ» فأنزل الله: سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ
لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ ْ﴾ [المنافقون:
6] ([2]).
*****
الشفاعة إنما تنفع أهل التوحيد وأهل الإخلاص، أما المنافقون فلا تقبل فيهم شفاعة، ولذلك نهى الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لهم فقال: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم﴾ [التوبة: 84] أي: لا تدعُ له أو تَقُمْ على قبره داعيًا له، بخلاف المؤمن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي على المؤمنين، وكان يقف على قبورهم بعد الدفن، ويستغفر لهم، ويسأل الله لهم التثبيت، ويأمر الناس بذلك، أما المنافق، فقد نهى الله رسوله أن يصلِّي على أحدٍ منهم، أو أن يقف على قبره؛ لأنهم ليس عندهم إخلاص، وإنما يتظاهرون بالعبادة وهم كفرة في قلوبهم والعياذ بالله.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1360)، ومسلم رقم (24).