ولما استغفر إبراهيم عليه السلام لأبيه بعد وعده
بقوله: ﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ يَوۡمَ يَقُومُ
ٱلۡحِسَابُ﴾ [إبراهيم: 41] قال تعالى: ﴿قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ
مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا
تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ
ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ
إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: 4].
وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ
لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ١١٣ وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن
مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ
تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ﴾ [التوبة: 113-
114].
*****
يعني: أنَّ الله أمر المؤمنين أن يستغفروا
للمؤمنين، ويستغفر بعضهم لبعض، ولا يستغفروا للمشركين من أقاربهم، فإنَّ الله
نهاهم عن ذلك فقال: ﴿مَا
كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ
وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ﴾ [التوبة: 113]، ولا يحتجُّ أحد باستغفار إبراهيم لأبيه،
فإنه كان قد وعده بذلك، فقال: سأستغفر لك ربي، ثم إنّ الله جل وعلا نهاه عن ذلك.
ولما تبيَّنَ له عداوة أبيه لله تبرأ منه.
قوله: ﴿وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن
مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ
تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ﴾ هذا مثل قوله: ﴿إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ
لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: 4] يعني: هذا استثناء من الأسوة والاقتداء.
وأما قوله: ﴿سَلَٰمٌ عَلَيۡكَۖ
سَأَسۡتَغۡفِرُ لَكَ رَبِّيٓۖ﴾ [مريم: 47] هذا من الوفاء بالوعد الذي وعد به أباه،
وهذا قبل أن ينهاه الله عن ذلك، فلما نهاه امتنع.