يقولُ عارفهم: السالك في أول أمره يفرِّق بين الطاعة
والمعصية، أي: نظرًا إلى الأمر، ثم يرى طاعة بلا معصية، أي: نظرًا إلى القدر، ثم
لا طاعة ولا معصية، أي: نظرًا إلى أنَّ الوجود واحد، ولا يُفرِّقون بين الواحد
بالعين والواحد بالنوع، فإنَّ الموجودات مشتركة في مسمَّى الوجود.
والوجود ينقسم إلى قائم بنفسه وقائم بغيره، وواجب
بنفسه وممكن بنفسه، كما أن الحيوانات مشتركة في مسمّى الحيوان، والأناسِيّ مشتركون
في مسمى الإنسان، مع العلم الضروري بأنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين هذا
الفرس، بل ولا عين هذا الحيوان، وحيوانيته وإنسانيته هو عين هذا الحيوان وحيوانيته
وإنسانيته، لكن بينهما قدر مشترك تشابَهَا فيه، قد يسمّى كليًّا مطلقًا، وقدرًا
مشتركًا، ونحو ذلك، وهذا لا يكون في الخارج عن الأذهان كليًّا عامًّا مُطلقًا، بل
لا يوجد إلاّ معينًا مشخَّصًا، فكل موجود فله ما يخصُّه من حقيقته، مما لا يشركه
فيه غيره، بل ليس بين موجودين في الخارج شيء بعينه اشتركا فيه، ولكن تشابها، ففي
هذا نظير ما في هذا، كما أنَّ هذا نظير هذا، وكلٌّ منهما متميز بذاته وصفاته عما
سواه، فكيف الخالق سبحانه وتعالى ؟! وهذا كله مبسوطٌ في غير هذا الموضع المبسط
الذي يليق به، فإنه مقام زلَّتْ فيه أقدام وضلَّت فيه أحلام، والله يهدي من يشاء
إلى صراطٍ مستقيم.
*****
هذا القول يفضي إلى القول بوحدة الوجود التي لا تفرق بين خالقٍ ومخلوقٍ ومؤمن وكافر، فالتوحيد عند أهل هذا القول أن لا تشهد في الكون تعددًا ولا انقسامًا، فكله هو الله، ولا فرقَ بين كُفر وإيمان وطاعة ومعصية.