وسورة ﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا
ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ فيها التوحيد القصدي العملي، كما قال تعالى: ﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ ١ لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ﴾[الكافرون: 1-2]
وبهذا يتميز من يعبد الله ممن يعبد غيره، وإن كان كل واحد منهما يقرُّ بأنَّ الله
رب كل شيء ومليكه، ويتميز عباد الله المخلصون الذين لم يعبدوا إلاّ إياه، ممن عبد
غيره وأشركوا به، أو نظر إلى القدر الشامل لكل شيء فسوّى بين المؤمنين والكفار،
كما كان يفعل المشركون من العرب، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا
بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ» ([1]).
*****
﴿قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ هذه السورة فيها إفراد الله بالعبادة، فهي تجسِّد توحيد الألوهية، فلا يكفي الإنسان أن لا يعبد إلا الله، بل لا بدَّ أن يتبرّضأ من الشرك وأهله، وإلا لا يصير مسلمًا، فالذي لا يتبرأ من الشِّرك وأهله ويقول: الناس لهم إرادتهم ولهم اختياراتهم، ولا نحجر على أحد، ولا نبغض أحدًا، ونحن عندنا المحبة والتسامح، فهذا هو الباطل بعينه، فالمؤمن يغار على دِين الله، ويكره الكفر، ويكره الكفار ويتبرَّأ منهم، وإلا لم يكن مؤمنًا. ولهذا قال: «إِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ» وليس معناها التصالح الديني مع الكفار كما ينادَى به الآن، بل معناها البراءة من الكفار ومن دينهم؛ لأنهم على الباطل والله جل وعلا يقول: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾ [العنكبوت: 52].
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (5055)، والدارمي رقم (3470)، وأحمد رقم (23807).