وقد أنْكَر كثيرٌ مِنْ
الأئمة المصلحين هذا الشرك ونهوا عنه وحَذَّرُوا وأَنْذَرُوا، ومِنْ هؤلاء: شيخ
الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد بن
إسماعيل الصنعاني، والشيخ محمد بن علي الشوكاني... وكثير مِنْ الأئمة قديمًا
وحديثًا، وهذه مؤلفاتهم بين أيدينا.
وفي ذلك يقول الإمام الشوكاني: «وَكَمْ قد سَرَى عن تَشْيِيدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لها الإِْسْلامُ، منها اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لها، كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلأَْصْنَامِ وَعَظُمَ ذلك، فَظَنُّوا أنَّها قَادِرَةٌ على جَلْبِ النَّفْعِ، وَدَفْعِ الضَّرَرِ، فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَمَلْجَأً لِنَجَاحِ الْمَطَالِبِ، وَسَأَلُوا منها ما يَسْأَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ، وَشَدُّوا إلَيْهَا الرِّحَالَ، وَتَمَسَّحُوا بها وَاسْتَغَاثُوا، وَبِالْجُمْلَةِ أنَّهم لم يَدَعُوا شَيْئًا مِمَّا كانت الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ بِالأَْصْنَامِ إلاَّ فَعَلُوهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَمَعَ هذا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وَالْكُفْرِ الْفَظِيعِ لا نجدُ مَنْ يَغْضَبُ لِلَّهِ وَيَغَارُ حَمِيَّةً لِلدِّينِ الْحَنِيفِ لا عَالِمًا وَلا مُتَعَلِّمًا، وَلا أَمِيرًا وَلا وَزِيرًا وَلا مَلِكًا، وقد تَوَارَدَ إلَيْنَا مِنْ الأَْخْبَارِ ما لا يُشَكُّ فيه أَنَّ كثيرًا مِنْ هَؤُلاءِ القبوريين أو أَكْثَرِهِمْ إذَا تَوَجَّهَتْ عليه يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَاجِرًا، فإذا قِيلَ له بَعْدَ ذلك احْلِفْ بِشَيْخِك وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلانِيِّ، تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الأَْدِلَّةِ الدَّالَّةِ على أَنَّ شِرْكَهُمْ قد بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قال إنَّهُ تَعَالَى ثَانِيَ اثْنَيْنِ، أو ثَالِثُ ثَلاثَةٍ، فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ، وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ: أَيُّ رُزْءٍ لِلإِْسْلامِ أَشَدُّ من الْكُفْرِ، وَأَيُّ بَلاءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عليه من عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَأَيُّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بها الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هذه الْمُصِيبَةَ، وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إنْكَارُهُ إنْ لم يَكُنْ هذا الشِّرْكِ الْبَيِّنِ وَاجِبًا؟
الصفحة 5 / 367