وهذا نبيُّ اللَّه يعقوب عليه السلام لما اشتدَّ به الأمر
وتَأَزَّم الحال بفراق بنيه، عَظُمَ رجاؤُه باللَّه وطمعه برحمته، وقال لبنيه
الحاضرين عنده: ﴿يَٰبَنِيَّ
ٱذۡهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيَۡٔسُواْ مِن رَّوۡحِ
ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيَۡٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾[يُوسُف: 87]، وقال:
﴿فَصَبۡرٞ جَمِيلٌۖ عَسَى ٱللَّهُ
أَن يَأۡتِيَنِي بِهِمۡ جَمِيعًاۚ﴾ [يُوسُف: 83] وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال
اللَّه عنه: ﴿إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ
كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ
لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ﴾ [التّوبَة: 40] ، فعظم
رجاؤه عند الشدة، ويقول: «وَأَنَّ
الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ» ([1]).
واللَّه سبحانه ينهى عباده الذين كثرت ذنوبهم وعظمت جرائمهم أَنْ يحملهم
ذلك على القنوط مِنْ رحمته وترك التوبة منها، قال تعالى: ﴿۞قُلۡ يَٰعِبَادِيَ
ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ
إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥٣وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ وَأَسۡلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَكُمُ
ٱلۡعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ٥٤﴾ [الزُّمَر: 53-54]،
فنهى سبحانه عباده أَنْ تحملهم كثرة ذنوبهم على ترك التوبة واليأس مِنْ المغفرة.
وقد عَدَّ النبي صلى الله عليه وسلم اليأس مِنْ روح
اللَّه مِنْ الكبائر؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رَسًول اللَّه صلى الله
عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَكْبَرُ الْكَبَائِر؟ فقال: «الإِْشْرَاك بِاَللَّهِ، وَالْيَأْس مِنْ رَوْح اللَّه، وَالأَْمْن مِنْ
مَكْر اللَّه» ([2]).
وعن ابن مسعود، قال: «أَكْبَرُ الْكَبَائِر : الإِْشْرَاك بِاَللَّهِ، وَالأَْمْن مِنْ مَكْر اللَّه، وَالْقُنُوط مِنْ رَحْمَة اللَّه، وَالْيَأْس مِنْ رَوْح اللَّه» ([3]).
([1]) أخرجه: أحمد رقم (2803)، والحاكم رقم (6304)، والطبراني في الكبير رقم (11243).
الصفحة 8 / 367