ومعنى
الآيات: أَنَّ اللَّه لما ذَكَرَ حال أهل القُرى
المكذِّبين للرسل المتمادين في الكفر والمعاصي، ذكر أَنَّ الذي حَمَلهَم على ذلك
هو الأمن مِنْ مَكْرِ اللَّه وعدم الخوف منه، وَمَكْرُ اللَّه هو أنَّه إذا عصاه
العبد وأغضبه، أنعم عليه بأشياء يظنُّ العبد أنَّها مِن رضى الله عنه، وهي استدراج
له، فهؤلاء الكفرة أَمِنُوا مكر اللَّه بهم لما استدرجهم بالسَّرَّاء والنِعَم
وعصوا رسلهم وتمادوا في المعاصي حتى أهلكهم اللَّه. وحذَّر مَن جاء بعدهم أَنْ
يفعل مثل فعلهم فيصيبه ما أصابهم، فقال سبحانه: ﴿أَوَ لَمۡ
يَهۡدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِ أَهۡلِهَآ أَن لَّوۡ نَشَآءُ
أَصَبۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡۚ وَنَطۡبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا
يَسۡمَعُونَ﴾ [الأعرَاف:
100] .
قال بعض العلماء: خوف العبد ينشأ مِنْ أمورٍ هي:
أولاً: معرفته بالجناية وقبحها.
ثانيًا: تصديقه بالوعيد، وأنَّ
اللَّه رتَّب على المعصية عقوبتها.
ثالثا: كونه لا يعلم لعله يمنع
مِنْ التوبة ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب.
وبهذه الثلاثة يتم له الخوف قبل الذنب وبعده ويكون خوفُه
أشدُّ.
وكان الأنبياء عليهم السلام لا ينقطع أملهم باللَّه
أبدًا، ولا ييأسون مِنْ رحمة اللَّه في جميع الأحوال، مهما اشتدَّ الخطب وضعفت
الأسباب:
فهذا خليل اللَّه إبراهيم لما بشَّرته الملائكة بالولد مع كِبَر سِنَّه وحال زوجه التي يستبعد معها حصول الولد، قال عند ذلك: ﴿وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ﴾ [الحِجر: 56] ، لأنَّه يعلم مِنْ قدرة اللَّه ورحمته ما هو أبلغ مِنْ ذلك وأعظم، لكنه قال للملائكة: ﴿أَبَشَّرۡتُمُونِي عَلَىٰٓ أَن مَّسَّنِيَ ٱلۡكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾[الحِجر: 54]، قال ذلك على وجه التعجب والتفكر في عظيم قدرة اللَّه ورحمته.