وقد جاء بيان سبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين: أنَّه
ما حصل مِنْ المنافقين في بعض الغزوات مِنْ سخرية بالرسول صلى الله عليه وسلم
وأصحابه.
فقد روى ابن جرير وغيره عن ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد
بن أسلم، وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض: أَنَّه قَالَ رجُلٌ فِي غَزْوَة تَبُوكٍ:
مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنا هَؤُلاءِ أَرْغَبُ بِطُونًا وَلاَ أكْذَبَ
أَلْسُنَاَ وَلاَ أَجْبَنَ عِنْدَ اللَّقاء - يَعْنِي: رَسُول اللَّه صلى الله
عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ القراء- . فقال له عوف بن مالك: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ
مُنَافِقٌ، لأُخْبِرَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فَذَهَبَ عَوْفُ إلِى
رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم لُيْخبِرهُ، فَوَجَد القُرآنَ قَدْ سَبَقهُ،
فَجَاء ذَلِكَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ارْتَحَل
وَرَكِبَ نَاَقَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَتَحَدَّثُ حَدِيْثَ الَّرْكبِ نَقْطَعُ بِهِ عَنَّا الطَّرِيْق. قَالَ ابنُ
عُمَرَ: كَأني أَنْظُرُ إِلْيِه مُتَعَلَّقًا بِنَسْعَةِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّه
صلى الله عليه وسلم ، وَإِنَّ الحِجَاَرَةَ تَنْكُبُ رِجْلَيْهِ وَهَو يَقُولُ:
إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فَيَقُولُ لهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه
وسلم : ﴿أَبِٱللَّهِ
وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ ٦٥لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم
بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ﴾ [التّوبَة: 65-66] .
ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سبب نزولهما دليلٌ واضحٌ على كُفْرِ مَن استهزأ باللَّه أو رسوله أو آيات اللَّه أو سُّنَّة رسوله أو صحابة رسول اللَّه، لأَنَّ مِنْ فعل ذلك، فهو مستخف بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد والعقيدة، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء، ومِنْ هذا الباب الاستهزاء بالعِلْم وأهله وعدم احترامهم أو الوقيعة فيهم مِنْ أجل العِلْم الذي يحملونه، وكون ذلك كُفْرًا، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء، لأَنَّ هؤلاء الذين نزلت فيهم الآيات جاءوا معترفين بما صدر منهم ومعتذرين بقولهم: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ﴾ [التّوبَة: 65] أي: لم نقصد الاستهزاء والتكذيب، وإِنَّما قَصَدْنَا اللَّعِب،