فقال مَخْشِي بن
حُمِيِّر: واللَّه، لودِدْت أني أقاضى على أَنْ يُضْرب كل رَجُل مَنَّا مئة جلدة،
وإِنَّا نتلفت أَنْ ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه. وقال رسول اللَّه صلى الله عليه
وسلم فيما بلغني لعمار بن ياسر: «أَدْرِكْ
الَقْومَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ احْترَقُوا، فَسَلهُمِ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ
أَنْكَرُوا، فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا». فانطلق إليهم عمار، فقال
لهم ذلك، فأتوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت
ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته، فجعل يقول وهو آخذ بحقيها: يا
رسول اللَّه، إِنَمَّا كنا نخوض ونلعب. فقال مَخْشِي بن حُمِيِّر: يا رسول اللَّه،
قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذي عناه - أي: بقوله تعالى: ﴿إِن
نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ﴾ [التّوبَة: 66] - في هذه الآية مخشي بن حمير، فسمي
عبدالرحمن، وسأل اللَّه أَنْ يقتل شهيدًا لا يعلم بمكانه، فقتل يوم اليمامة فلم
يوجد له أثر».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «فَقَد أَخبر أنّهم كَفَرُوا بَعْدَ إيمانهم مَع قولهم: إنَّما تكلمنا بالكفر مِنْ غير اعتقاد له، بل إِنَمَّا كنا نخوض ونلعب، وبَيَّن أَنْ الاستهزاء بآيات اللَّه كفر، ولا يكون هذا إلا ممَّنْ شرح صدرا بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه، لمنعه أَنْ يتكلم بهذا الكلام، والقرآن يبين أَنَّ إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه، كقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَٰٓئِكَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ ٤٨﴾ [النُّور: 47-48]. نفى الإيمان عمَّنْ تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أَنَّ المؤمنين إذا دعوا إلى اللَّه ورسوله ليحكم بينهم، سمعوا وأطاعوا، فبين أَنَّ هذا مِنْ لوازم الإيمان..». انتهى.
الصفحة 4 / 367