×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

 واعتصم بحبله المتين، وتوكل على اللَّه، قطع هاجس الطِّيَرة مِنْ قبل استقرارها، وبادر خواطرها قبل استكمالها.

قال عكرمة: كُنَّا جُلُوسَّا عِنْد ابن عَبَّاسٍ، فَمَرَّ طَائِرٌ يُصِيْحُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ القَومِ: خَيْرٌ، خَيْرٌ، فقال ابن عباس:«لاَ خَيْرٌ وَلاَ شَرٌ». فبادره بالإنكار عليه لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر، وكذلك سائر المخلوقات لا تجلب خيرا ولا تدفع شرا بذاتها.

وقوله صلى الله عليه وسلم : «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ»، ثم بينه بأنَّه الكلمة الطيبة، وإِنَمَّا أعجبه الفأل لأنَّه حسن ظن باللَّه، والعبد مأمور أَنْ يُحسن الظن باللَّه، والطيرة سوء ظن باللَّه عز وجل وتوقع للبلاء، ومِنْ هنا جاء الفَرْقُ بينهما في الحُكم، لأَنَّ الناس إذا أَمَّلُوا الخير مِنْ اللَّه، عَلَّقُوا قلوبهم به وتوكلوا عليه، وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم مِنْ اللَّه، كان ذلك مِنْ الشَّرك والتعلُّق على غير اللَّه.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله : «ليس في الإعجاب بالفَأْل ومحبته شيء مِنْ الشرك، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة، وموجب الفطرة الإنسانية التي تميل إلى ما يُوافقها ويُلائمها، كما أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنَّه حبب إليه مِنْ الدنيا النَّساء والطَّيب، فكان يُحب الحلواء والعسل، ويُحب حسن الصوت بالقرآن والأذان ويستمع إليه، ويحب معالي الأخلاق ومكارم الشيم، وبالجملة يحب كل كمال وخير وما يفضي إليهما. واللَّه سبحانه قد جعل في غرائز الناس الإعجاب لسماع الاسم الحسن ومحبته وميل النفوس إليه، وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باسم الفلاح والسلام والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفر، فإذا قرعت هذه الأسماء الأسماع، استبشرت بها النفس وانشرح لها الصدر وقوي بها القلب، وإذا سمعت أضدادها، أوجب لها ضد هذه الحال،


الشرح