وقد ذم اللَّه المدعين للإيمان بالكتب كلها وهم يتركون
التحاكم إلى الكتاب والسُّنَّة ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «وَمَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ
اللَّه، إلاَّ وَقَعَ بَأْسَهُمْ بَيَنَهُمْ» ([1]). وهذا مِنْ أعظم
تغيير الدول ونشوب الفتن والتناحر بين الشعوب، لأَنَّ الإيمان بالكتاب يوجب
التحاكم إليه، فَمَنْ ادعى الإيمان بالكتاب وهو يتحاكم إلى غيره، فهو متناقض في
دعواه، والكتاب لا يتجزأ، فيجب تطبيقه كله والعمل به كله في كل المجالات، في
العقائد والعبادات والمعاملات، وفي الأحوال الشخصية والجنايات والحدود، وفي الآداب
والسلوك.
قال تعالى﴿وَمَن
لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ [المَائدة: 44] ،﴿وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ
أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [المَائدة: 45] ، ﴿وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ
أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾ [المَائدة: 47] .
وقال تعالى: ﴿فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ
لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ
تَسۡلِيمٗا﴾ [النِّسَاء: 65] ، فنفى الإيمان نفيًا مؤكدًا بالقسم
عمَّن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، مع انشراح صدره
وانقياده لحكم اللَّه، كما وصف مَن لم يُحَكِّمْ بما أنزل اللَّه بالكفر والظلم
والفسق، وإنْ ادَّعَى الإيمان والعدالة والعدل.
فتَبًّا لقومٍ استبدلوا كتاب اللَّه بالقوانين الوضعية
الطاغوتية وهم يدعون الإيمان، فلا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.
***
([1]) أخرجه: ابن ماجه رقم (4019)، والبيهقي في الشعب رقم (3042).
الصفحة 4 / 367
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد