×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

 فإذا كان قد تحداهم بالمعارضة مرة بعد مرة، وهي تبطل دعواهم، فمعلوم أنَّهم لو كانوا قادرين عليها، لفعلوها، فإنَّه مع وجود هذا الداعي التام المؤكد إذا كانت القدرة حاصلة، وجب وجود المقدور، ثم هكذا القول في سائر أهل الأرض، فهذا يوجب علما مبينا لكل أحد بعجز جميع أهل الأرض عَن أَنْ يأتوا بمثل هذا القرآن بحيلة وبغير حيلة. وهذا أبلغ مِنْ الآيات التي تكرر جنسها، كإحياء الموتى، فإِنَّ هذا لم يأت أحد بنظيره.

فإقدامه صلى الله عليه وسلم في أول الأمر على هذا التحدي وهو بمكة وأتباعه قليل على أَنْ يقول خبرا يقطع به أنَّه لو اجتمع الإنس والجن على أَنْ يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله في ذلك العصر وفي سائر الأعصار المتأخرة لا يكون إلا مع جزمه بذلك وتيقنه له، وإلا، فمع الشك والظن لا يقول ذلك مَنْ يخاف أَنْ يظهر كذبه فينفضح فيرجع الناس عن تصديقه، وإذا كان جازما بذلك متيقنا له، لم يكن ذلك إلا عن إعلام اللَّه تعالى له بذلك، وليس في العلوم المعتادة أَنْ يعلم الإنسان أَنَّ جميع الخلق لا يقدرون أَنْ يأتوا بمثل كلامه إلا إذا علم العالم أنَّه خارج عن قدرة البشر، والعلم بهذا يستلزم كونه معجزًا.

والقرآن الكريم معجزة مِنْ وجوه متعددة، مِنْ جهة اللفظ، ومِنْ جهة النظم، ومِنْ جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى، ومِنْ جهة معانيه التي أمر بها ومعانيه التي أخبر بها عن اللَّه تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك، ومِنْ جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب المستقبل وعن الغيب الماضي، ومِنْ جهة ما أخبر به عن المعاد، ومِنْ جهة ما بين فيه مِنْ الدلائل اليقينية.


الشرح