×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

  ﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ [الأحقاف: 29] ، وهذا مجمع عليه.

والآيات التي أنزلها اللَّه على محمد صلى الله عليه وسلم فيها خطابٌ لجميع الخلق الجن والإنس، إذ كانت رسالته عامةً للثقلين، وإنْ كان مِنْ أسباب النزول ما كان موجودًا في العرب، فليس شيء مِنْ الآيات مختصا بالسبب المعين الذي نزل فيه باتِّفاق المسلمين، فلم يقل أحدٌ مِنْ المسلمين: إنَّ آيات الطلاق أو الظهار أو اللعان أو حدِّ السرقة والمحاربين... وغير ذلك يختص بالشخص المعين الذي كان سبب نزول الآية.

والمقصود هنا: أنَّ بعض آيات القرآن - وإنْ كان سببه أمورًا كانت في العرب- ، فحكم الآيات عام يتناول ما تقتضيه الآيات لفظًا ومعنى في أي نوع كان، ومحمد صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الإنس والجن، فدعوته شاملة للثقلين: الإنس والجن على اختلاف أجناسهم، فلا يظن أنَّه خص العرب بحُكْمِ مِنْ الأحكام أصلا، بل إِنَمَّا علق الأحكام باسم مسلم وكافر ومؤمِنْ ومنافق وبرٍّ وفاجرٍ ومحسنٍ وظالمٍ وغير ذلك مِنْ الأسماء المذكورة في القرآن والحديث، وليس في القرآن ولا الحديث تخصيص العرب بحكم مِنْ أحكام الشريعة، وإِنَمَّا عَلَّق الأحكام بالصفات المؤثرة فيما يحبه اللَّه وفيما يبغض، فأمر بما يحبه اللَّه ودعا إليه بحسب الإمكان، ونهى عما يبغضه اللَّه وحسم مادته بحسب الإمكان، لم يخص العرب بنوع مِنْ أنواع الأحكام الشرعية، إذ كانت دعوته لجميع البرية، لكن نزل القرآن بلسانهم - بل بلسان قريش- لأجل التبليغ، لأنَّه بلَّغ قومه أولاً، ثم بواسطتهم بلغ سائر الأمم، وأمره بتبليغ قومه أولاً، ثم بتبليغ الأقرب فالأقرب إليه، كما أمر بجهاد الأقرب فالأقرب.


الشرح