وكما كان صلى الله عليه وسلم مبعوثًا إلى الإنس، فهو
مبعوث أيضًا إلى الجن، فقد استمع الجن لقراءته، وَوَلَّوْا إلى قومهم منذِرين، كما
أخبر اللَّه عز وجل ، وهذا متفق عليه بين المسلمين.
وقد ذكر اللَّه في القرآن مِنْ خطاب الثقلين ما
يُبَيِّنُ هذا الأصل، كقوله تعالى: ﴿يَٰمَعۡشَرَ
ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ﴾ [الأنعَام:
130] الآية.
وقد أخبر اللَّه عن الجن أنَّهم قالوا: ﴿وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّٰلِحُونَ
وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَۖ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَدٗا﴾ [الجنّ: 11] ، أي:
مذاهب شتى، مسلمون وكفار، وأهل سُّنَّة وأهل بدعة. وقالوا: ﴿وَأَنَّا مِنَّا ٱلۡمُسۡلِمُونَ
وَمِنَّا ٱلۡقَٰسِطُونَۖ﴾ [الجنّ: 14] الآية، والقاسط: الجائر، يقال: قَسَطََ:
إذا جار، وأَقْسَطَ: إذا عدل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : يجبُ على
الإنسان أنْ يعلم أنَّ اللَّه عز وجل أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم إلى جميع
الثَّقلين الإنس والجنُّ، وأوجب عليهم الإيمان بِه وبما جاء بِه وطاعته، وأنْ
يُحلِّلُوا ما حلل اللَّه ورسوله، ويحرموا ما حرم اللَّه ورسوله، ويحبوا ما أحبه
اللَّه ورسوله، ويكرهوا ما كرهه اللَّه ورسوله، وأنَّ كل مَن قامت عليه الحجةُ
برسالة محمد صلى الله عليه وسلم مِنْ الإنس والجن فلم يُؤمن به، استحق عقاب اللَّه
تعالى، كما يستحقه أمثاله مِنْ الكافرين الذين بعث إليهم الرسول، وهذا أصل متفق
عليه بين الصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ وأئمة المسلمين وسائر طوائف المسلمين أهل
السُّنَّة والجماعة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
4- ومِنْ خصائصه صلى الله عليه وسلم القرآن العظيم الذي أذعن لإعجازه الثقلان، وأحجم عن معارضته مصاقيع الإنس والجان، واعترف بالعجز عن الإتيان بأقصر سورة مِنْ مثله أهل الفصاحة والبلاغة مِنْ سائر الأديان، وقد سبق تفصيل ذلك.