ولهذا قال مَن قال مِنْ العلماء: ﴿إِنِّي
مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عِمرَان:
55] ، أي: قابضك، أي: قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت الحساب واستَوْفَيته، ولفظ
التوفي لا يقتضي توفي الروح دون البدن ولا توفيهما جميعًا إلا بقرينةٍ منفصلةٍ،
وقد يراد به توفي النوم، كقوله تعالى: ﴿ٱللَّهُ
يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا وَٱلَّتِي لَمۡ تَمُتۡ فِي مَنَامِهَاۖ﴾ [الزُّمَر: 42] ،
وقوله: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي
يَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّيۡلِ وَيَعۡلَمُ مَا جَرَحۡتُم بِٱلنَّهَارِ﴾ [الأنعَام: 60] » انتهى.
وقال القاضي عياض رحمه الله : «نُزول عيسى عليه السلام
وَقَتْلهُ الدجال حقٌ وصحيحٌ عند أهل السُّنَّة، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في
العقل ولا في الشرع ما يبطله، فوجب إثباته. وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومَن
وافقهم، وزعموا أَنَّ هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى: ﴿وَخَاتَمَ
ٱلنَّبِيِّۧنَۗ﴾ [الأحزَاب: 40] ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : «لاَ نَبِيَّ
بَعْدِيْ»، وبإجماع المسلمين أنَّه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وأنَّ
شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة ولا تنسخ، وهذا استدلال فاسد، لأنَّه ليس المراد
بنزول عيسى عليه السلام أنَّه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث ولا
في غيرها شيء مِنْ هذا، بل صحت هذه الأحاديث هنا وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها
أنَّه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيي مِنْ أمور شرعنا ما هجره الناس». انتهى.
أقول: وفي عصرنا هذا ينكر بعض الكتاب الجهال وأنصاف العلماء نزول عيسى عليه السلام ، اعتمادا على عقولهم وأفكارهم، ويطعنون في الأحاديث الصحيحة، أو يؤولونها بتأويلات باطلة، والواجب على المسلم التصديق بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصَحَّ عنه واعتقاده، لأَنَّ ذلك مِنْ الإيمان بالغيب الذي أطلع اللَّه ورسوله عليه...
الصفحة 4 / 367