ومنهُمْ: مَنْ
يكون مَحْبُوسًا على باب الجنَّة.
ومنهم: مَنْ يكون مَحْبُوسًا في قبره، كحديث صاحب الشَّمْلَة الَّتِيْ غلَّهَا
ثُمَّ اسْتُشْهِدَ فقال الناس: هَنِيْئًا له الجنَّةُ، فقال النَّبِيُّ صلى الله
عليه وسلم : «وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِيْ غَلَّهَا لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» ([1]).
ومنهم: مَنْ يكون مقُّره بابُ الجنَّةِ، كما في حديث ابن
عبَّاسِ: «الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ
نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ مِنْ
الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» ([2]).
ومنها: ما يكون مَحْبُوسًا في الأرْضِ لم يَعْلُ إلى
المَلَأ الأعْلَى، فإنَّهَا كانَتْ رُوحُا سُفْلِيَّةً أرْضِيَّةً، فإنَّ الأنفس الأرضيَّة
لا تُجَامِعُ الأنفس السَّماوِيَّة كما لا تُجَامِعُها في الدُّنْيَا، والنَّفْسُ
الَّتِيْ لَمْ تَكْتَسِبْ في الدُّنْيَا معرفةً ربها ومحبَّته وذكْرَه والأنْسَ به
والتَّقرُّب إليه، بل هي أرْضِيَّة سُفْلَّيِة، لا تكون بَعْدَ المُفَارَقة
لَبَدنها إلا هناك، كما أنَّ النَّفْسَ العُلْوِيَّة الَّتِيْ كَانَتْ في
الدُّنْيَا عاكفةً عَلَى مَحَبَّة اللَّه وذكره والتَّقَرُّب إلَيْهِ والأُنْسَ
بِهِ تَكُونُ بَعْدَ المُفَارقة مَعَ الأَرْوَاحِ العُلويَّةِ المُنَاسِبَة لهَا،
فالمَرْء مَع مَنْ أحَبَّ في البَرْزَخ وَيَوْمِ القِيَامَةِ، واللَّهُ تعَالى
يُزَوِّجُ النَّفُوسَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ فِيْ البَرْزَخ وَيَوْمِ المَعَاد، كما
تَقَدَّمَ في الحديث، وَيَجعْل المُؤْمِنْ مع النَّسَم الطَّيِّبِ، أَيْ:
الأرْوَاحُ الطَّيِّبَةُ المُشَاكِلة، فَالرُّوحُ بَعْد المُفَارقَة تلْحَقُ بأشْكَالها
وأخَوَاتِها وأصْحَاب عَمَلِهَا، فَتَكَوُن مَعَهُمْ هُنَاكَ.
ومنها: أرْوَاحٌ تَكُون في تنُّور الزُّناة والزَّواني، وأرواحٌ في نهر الدَّم تَسْبَحُ فيه وَتُلْقَمُ الحِجَارَةُ.
الصفحة 5 / 367