وعوجلوا بالعذاب، فلما بعث
محمد صلى الله عليه وسلم بالرحمة إمامًا للخلق، كما قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا
رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأنبيَاء: 107] ، أمسك عنهم العذاب، وأعطي السيف حتى
يدخل في دين الإسلام مَنْ دَخَلَ لمهابة السَّيْفِ ثُمَّ يَرسخ الإيمان فِي قلبه،
فَأُمْهِلُوا فمِنْ ثَمَّ ظَهَرَ أمرُ النِّفَاق، وكانوا يُسُّرِون الكفر ويعلنون
الإيمان، فكانوا بين المسلمين في ستر، فلمَّا ماتوا، قيض اللَّه لهم فتَّاني
القَبْر ليستخرجا سِرَّهُم بالسؤال.
واحتجَّ أهل هذا القول: بقوله صلى الله
عليه وسلم : «إِنَّ هَذِهِ الأُْمَّةَ تُبْتَلَى
فِي قُبُورِهَا» ([1])، وبقوله: «أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي
قُبُورِكُمْ» ([2])، وهذا ظاهر في
الاختصاص بهذه الأمة، ويدل عليه قول الملكين: «مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيْكُمْ؟» ([3]).
القول الثاني: أنَّ السؤال في القَبْر
لهذه الأمة ولغيرها، وأجاب أصحاب هذا القول عن أدلة القول الأول بأنَّها لا تدل
على الاختصاص بالسؤال لهذه الأمة دون سائر الأمم.
وقوله: هذه الأمة : إمَّا أنْ يُرادَ به أمَّةُ النَّاس، أي: بني آدم، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ﴾ [الأنعَام: 38] ، وكل جنس مِنْ أجناس الحيوان يسمى أُمَّة. وإنْ كان المراد أمَّتُه صلى الله عليه وسلم ، لم يكن فيه ما ينفي سؤال غيرهم مِنْ الأمم، لأنَّهُ إخبار لهم بأنَّهم يسألون في قبورهم. وكذلك حديث: «أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ»، مُجَرَّدُ إخبار لا ينفي سؤال غيرهم.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2867).
الصفحة 4 / 367