×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

 لمَّا مَرَّ بِمَنْ يُعذَّب في قبره، فرؤية هذه النار في القَبْر كرؤية الملائكة والجن، تقع أحيانا لمَنْ شاء اللَّه أنْ يريه ذلك.

وكيف يَستنِكر مَنْ يعرف اللَّه سبحانه ويقرُّ بقدرته أنْ يُحدث حوادث يَصرِف عنها أبصارَ بعض خلقه حكمةً منه ورحمةً بهم لأنَّهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها، والعبد أضعف بصرًا وسمعًا أَنْ يثبت لمشاهدة عذاب القَبْر ؟، وسِرُّ المسألة أنَّ هذه السعة والضيق والإضاءة والخضرة والنار ليس مِنْ جنس المعهود في هذا العالم، واللَّه سبحانه إِنَمَّا أشهد بني آدم في هذه الدَّار ما كان فيها ومنها، فأما ما كان مِنْ أمر الآخرة، فقد أسبل عليه الغطاء، ليكون الإقرار به والإيمان به سببًا لسعادتهم، فإذا كشف عنهم الغطاء، صار عيانًا مشاهدًا، فلو كان الميت بين الناس موضوعًا، لم يمتنع أَنْ يأتيه الملكان ويسألاه مِنْ غير أَنْ يشعر الحاضرون بذلك، ويجيبهما مِنْ غير أَنْ يسمعوا كلامه، ويضربانه مِنْ غير أَنْ يشاهد الحاضرون ضربه. وهذا الواحد منا ينام إلى جنب صاحبه المستيقظ، فيعذب في النوم ويضرب ويتألم وليس عند المستيقظ خبر مِنْ ذلك ألبتة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «فَأمَّا أحَادِيثُ عَذَابِ القَبْر وَمَسْأَلَةُ مُنْكَرِ ونَكَيِر، فَكَثِيْرةٌ مُتواترةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثل ما في «الصحيحين» عن ابن عباس قَالَ: أنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآْخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بجَرِيدَةٍ فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (218)، ومسلم رقم (292).