وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أَنَّ النبي
صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا فَرَغَ
أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الآْخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ
مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْر، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا
وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» ([1]).
وساق الشيخ أحاديث كثيرة في هذا الباب إلى أَنْ قال: «وَقَد
تواترت الأخبارُ عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ثُبُوتِ عَذَاب القَبْر
وَنعيْمِه لَمِنْ كَانَ لذلك أهْلاً وَسُؤَالُ المَلَكَيْن، فيجب اعْتِقَادُ ذلك
والإِيْمَان به، ولا نَتَكَلَّمُ عَنْ كُيْفِيتَّه، إذْ ليس للْعَقْل وُقُوفٌ عَلى
كَيْفِيَّتِه، لَكَوْنِه لا عَهْدَ لَه في هذه الدَّار، والشَّرْعُ لا يأتي بما
تُحيْلُه العُقُول، ولكنَّهُ قد يأتي بما تَحَارُ فيه العُقول، فإِنَّ عود الرُّوح
إلى الجَسَدِ ليس على الوجه المعهود في الدُّنْيَا، بل تعاد الرُّوْح إليه إعادة
غير الإعادة المألوفة في الدُّنْيَا».
إلى أَنْ قال: «واعلم أنَّ عَذَاب القَبْر هُوَ عَذَاب
الَبْرزَخ، فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وهو مُسْتَحِقٌ للْعَذَاب نَالَهُ نَصِيْبهٌ
مِنْهُ، قُبِرَ أو لم يُقْبَر، أكَلَتْهُ السِّبَاع أو احْتَرَق حَتَّى صار
رَمَادًا ونُسِفَ في الهَواء أو صُلِبَ أو غرق في البَحْرِ، وَصَل إلى رُوحِه
وَبَدنه مِنْ العَذاب ما يَصلُ إلى المقْبُور، وما ورد مِنْ إجْلاَسِه واخْتِلاَف
أضْلاَعِه وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيَجِبُ أنْ يُفْهَم عن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم
مراده مِنْ غَيْرِ غُلُوٍ ولا تَقْصِيْر، فلا يُحْمَلُ كَلاَمُهُ ما لا
يَحْتَمِلُه، ولا يُقَصَّرُ به عَنْ مُرَاده وَمَا قَصَد مِنْ الهُدَى والبَيَانِ،
فَكَمْ حَصَلَ مِنْ إهْمَال ذلك والعُدُوِل عَنْهُ مِنْ الضَّلال والعُدُول عَنْ
الصَّوَاب مَا لا يَعْلَمُه إلاَّ اللَّهُ».
إلى أَنْ قال: «فالحاصِلُ أنَّ الدُّوَر ثلاثٌ: دَار الدُّنْيَا، ودارُ البَرْزَخ، وداُر القَرَارِ، وقدْ جَعَلَ اللَّه لكُلِّ دارٍ أحكامًا تَخْصُّهَا،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (588).