×
اَلْإِرْشَاد إِلَى صَحِيحِ اَلْاَعَتَقَادُ

 وَرَكَّبَ هذا الإنْسَانُ مِنْ بَدَنٍ وَنَفْسٍ، وجعل أحْكَام الدُّنْيَا على الأبدان والأرْوَاحُ تَبَعٌ لها، وَجَعَل أحْكَام البَرْزَخ على الأرواح والأبْدَانُ تَبَعٌ لها، فإذا جَاء يَوْمٌ حَشْرِ الأجْسَادِ وقيام النَّاس مِنْ قُبُورِهِمْ، صَار الحُكْمُ والنَّعِيْمُ والعَذَابُ على الأرْوَاح والأجْسَادِ جَمْيعًا.

فإذا تأمَّلْت هذا المعنى حَقَّ التَّأمُل، ظَهَر لك أنَّ كَوْنَ القَبْر رَوْضَةٌ مِنْ رَياض الجنَّة أو حُفْرَةً مِنْ حُفَر النَّار مُطَابِقٌ للعَقْلِ، وأنَّهُ حَقٌّ لا مِرْيَة فِيْهِ، وبذلك يَتَمَيَّزُ المُؤْمِنُون بالغيب مِنْ غيرهم.

ويجب أنْ يُعْلَم أنَّ النَّار الَّتِيْ في القَبْر والنَّعيم لَيْسَ مِنْ جِنْس نار الدُّنْيَا ولا نَعِيْمِهَا، وإِنْ كان اللَّه تعالى يُحَمِّي عَلَيْه التُّرَاب والحِجَارة الَّتِيْ فَوْقه والَّتِيْ تَحْتَه، حَتَّى يكون أعْظَم حَرًا مِنْ جَمْرِ الدُّنْيَا، ولو مَسَّهَا أهل الدُّنْيَا، لم يُحِسُّوا بهَا، بَلْ أعْجَبُ مِنْ هذا أنَّ الرَّجُلين يُدْفَن أحدهما إلى جنب صَاحبه، وهذا في حُفْرةٍ مِنْ النَّار، وهذا فِي رَوْضَةٍ مِنْ رياض الجنَّةِ، لا يَصِلُ مِنْ هذا إلى جاره شَيءٌ مِنْ حَرِّ ناره، ولا مِنْ هذا إلى جَاره شَيْءٌ مِنْ نَعْيِمه، وَقُدْرَة اللَّه أوْسَعُ مِنْ ذَلِك وَأَعْجَبُ، وَلَكِنَّ النُّفُوس مُولَعَةٌ بالتَّكْذِيب بما لمْ تُحِطْ بِه عِلْمًا.

وقد أرانا اللَّه في هذه الدَّار مِنْ عجائب قُدرتِه ما هو أبْلَغ مِنْ هذا بِكَثِيُر، وإذا شاء اللَّه أنْ يُطلع على ذلك بعض عباده، أطْلعَهُ، وَغَيَّبه عن غيره، ولو أطْلَع اللَّهُ على ذلك العباد كُلَّهُم، لزالت حِكْمَة التَكْلَيِف والإيمان بالغَيْب، ولما تَدَافن النَّاسُ، كما في الصَّحِيْح عَنْه صلى الله عليه وسلم : «قَالَ لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ القَبْر ما أسمع» ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2867).