والشاهد من هذا:
أنه تَمَكَّنَ الشركُ مِن قلوبهم، وهذه الأصنام أَثَّرَت فيهم، ﴿وَقَالُواْ لَا
تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا﴾ [نوح: 23]،
هذه أسماء الرجال الصالحين الذين صُوِّرَت صُوَرُهم ونُصِبَت فعَبدُوها من دون
الله؛ قالوا لا تُطِيعوا نوحًا في توحيد الله وتَترُكوا هذه الآلهةَ، فقد سَمَّوها
آلهةً ﴿وَقَالُواْ لَا
تَذَرُنَّ﴾، وهذا تمامًا مثل ما قاله
المشركون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لما قال لهم: «قُولُوا: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ تُفْلِحُوا» ([1])،
قالوا: ﴿أَجَعَلَ
ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ ٥وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ
مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ
يُرَادُ ٦﴾ [ص: 5- 6]؛ يعني: ما كان
عليه آباؤنا، وهذا احتجاج بما عليه الناس دون دليل وبرهان، وإنما قالوا: ﴿مَا سَمِعۡنَا
بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ﴾ [ص: 7]؛ يعني: هذا كَذِبٌ، فيَصِفُون الرسولَ صلى الله
عليه وسلم بأنه كَذَّابٌ مُخْتَلِقٌ.
انظروا
كيف يَفعَل الشِّرك بالقلوب والعياذ بالله، إذا تُرِك ولم يُعالَج يَستَعصِي في
القلوب؛ فهذا فيه عبرةٌ.
والآن
أصحاب القبور لا يُمكِن أن يَتَخَلَّوْا عنها، بل تزيد عبادتهم لها؛ ولكن من أراد
الله هدايته وقَبِلَ الحَقَّ اهتدى، وأما الأغلبية فلا تَقبَل الحقَّ؛ لأنه إذا
أُهمِلَ الشيءُ تَعاظَمَ وصَعُبَ علاجُه.
قوله: «وقال غير واحد من السلف: لما ماتوا عَكَفُوا على قبورهم»، عَكَفُوا على قبورهم: أي عَكَفُوا على قبور الصالحين،
([1]) أخرجه: أحمد رقم (16023)، والحاكم رقم (39)، وابن حبان رقم (6562).
الصفحة 9 / 327