فلما هَلَكَ هذا الجيلُ وهَلَكَ العلماء نُسِيَ
العِلمُ وجاء جيلٌ جاهلٌ؛ فأتاهم الشيطان فقال: إن آباءكم ما نَصَبُوا هذه
الصُّوَرَ إلاَّ لِيَعبُدُوها وبها كانوا يُسقَوْن المَطَرَ؛ فعَبَدُوها من دون
الله؛ فحَدَثَ الشركُ في الأرض من ذلك الوقت.
فأَرسَلَ
الله نَبِيَّهُ نوحًا عليه السلام - وهو أول رسول إلى أهل الأرض بعد حدوث الشرك -
أَرسَلَه إليهم يَدعُوهم إلى الله وإلى توحيد الله عز وجل، وبَالَغَ في دعوتهم
وأطالَ وطَالَ عُمُرُه معهم، كما ذَكَرَ الله في سورة نوح، وفي قوله سبحانه وتعالى:
﴿وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ
خَمْسِينَ عَامًا﴾
[العنكبوت: 14]. في كل هذه المدة وهو يدعوهم إلى الله عز وجل، وما تَرَكَ طريقًا
مِن طُرُقِ الدعوةِ إلاَّ وَسَلَكَهُ عليه الصلاة والسلام فَلَم يُجْدِ ذلك فيهم،
ولم يُؤمِن معه إلاَّ قليلٌ منهم، كما قال الله جل وعلا: ﴿وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ﴾ [هود: 40].
ولما
أَخبَرَه اللهُ أنه لن يُؤمِنَ مِن قومك إلاَّ مَن آمَنَ - كما قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ
إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ﴾ [هود: 36] -، عند ذلك دعا عليهم فقال: ﴿وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ
لَا تَذَرۡ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ دَيَّارًا ٢٦إِنَّكَ إِن تَذَرۡهُمۡ
يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓاْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا ٢٧﴾ [نوح: 26- 27]، فَأَهلَكَهُم اللهُ بالطوفان: ﴿فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ
وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ﴾
[العنكبوت: 14]. والطوفان: هو الماء الذي أَغرَقَهُم جميعًا، ولَم يَنْجُ إلاَّ
أصحابُ السفينة: وهم نوحٌ ومَن معه: ﴿فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ﴾ [العنكبوت: 15]، والبقية هَلَكُوا حيث أَخَذَهُم اللهُ
بالطوفان.