وكُفرٌ بالله عز وجل، وَهَذَا فِي القُرْآن: ﴿وَٱتَّبَعُواْ
مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ
وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ
أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ
مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٞ فَلَا تَكۡفُرۡۖ﴾ [البَقَرَة: 102]، فَدَلَّ عَلَى أن تَعَلُّم السِّحر
وتعليمه كفرٌ بالله عز وجل وشركٌ بالله، وَمَعْنى قَوْله: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً» السَّحَرَة
يَعقِدون العُقَد فِي الخُيُوط، ثُمَّ يَنفُثون فِيهَا ويستعينون بالشيطان،
فَالسَّاحِر لا يَنفُذ سِحرُه ولا يتم إلاَّ إِذا استعان بِالشَّيَاطِينِ، وَهَذَا
وَجْهُ كَوْن السِّحر شركًا، أنه استعانة بِالشَّيَاطِينِ، والاستِعَانَة بِغَيْر
الله شركٌ، فَلاَ يُمكِن أن ساحرًا يَسحَر إلاَّ وَيَسْتَعِين بالشيطان؛ وإلا لم
يَنعَقِد سِحرُهم، ولن يَضُرَّ أحدًا، وَهَذَا كما فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّٰثَٰتِ
فِي ٱلۡعُقَدِ﴾ [الفَلَق: 4]، وهن
السَّوَاحِر يعقدن العقد وينفثن فِيهَا ويستعنَّ بالشيطان، وإلا فالخليط
مُجَرَّدًا والنفث لا يعملان شَيْئًا، وَلَكِن الاِسْتِعَانَة بالشيطان هِيَ
الَّتِي تؤثِّر بِإِذْنِ اللهِ، فالسَّحَرَة لَهُم تعاوُنٌ وتعلُّق مَعَ
الشَّيَاطِين ولولا ذَلِكَ ما نَفَذَ سِحرُهم، قَوْله: «مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا
فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ»، لأنه استعان بالشيطان فِي
عَمَلِ السِّحر، فَهَذَا شِرْكٌ أَكْبَرُ.
ثُمَّ
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ»: من تعلَّقَ قلبُه
بِشَيْءٍ يرجوه أو يخافه فإِنَّ اللهَ يَكِلُه إِلَيْهِ استدراجًا لَهُ، فَإِذَا
تَعلَّقَ بمخلوق أو بشجر أو بحجر، يَعتقد فيه أنه يَنفع ويَضر؛ فإِنَّ اللهَ
يَكِلُه إِلَى ذَلِكَ المخلوق، كَمَا أَنَّ من تَعلَّقَ قلبُه بالله عز وجل،
وتوكَّلَ عَلَى الله كفاه الله عز وجل، فتعلُّق القلوب يَجِب أن لا يَكُون إلاَّ
بالله عز وجل، فمن تعلَّقَ بغيره فقد أَشركَ بالله عز وجل.
لِهَذَا يَجِب عَلَى المسلم أن يَتعلَّقَ قلبُه بالله وَيَسْتَعِين بالله ويَتوكَّل عَلَى الله، ولا يَتعلَّق قلبه بِغَيْر الله بأن يرجوه أو يخافه؛ لأن هَذَا شركٌ بالله عز وجل.
الصفحة 3 / 327