ومِن ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَن
كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾ [الكَهْف: 110]، فَإِذَا كَانَ مُجَرَّد
الرِّيَاء الَّذِي هُوَ فِعل الطَّاعَة لله عز وجل مَعَ مَحَبَّة أن يَطَّلِع
عَلَيْهَا غَيرُه، أو يُثنَى عَلَيْهِ بها، أو يَستَحسِنها، شِركًا، فَكَيْفَ بما
هُوَ مَحْضُ الشِّرْك؟
ومِن ذَلِكَ ما
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أن يهوديًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ: «وَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ:
وَالْكَعْبَةِ»، فأمَرَهم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَقُولُوا: «وَرَبِّ
الْكَعْبَةِ» وأَنْ يَقُولُوا: «مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ مَا شِئْتَ» ([1])، وَأَخْرَجَ
النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما مرفوعًا أن رجلاً قَالَ:
«مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ»، قَالَ: «أَجَعَلْتَنِي لِلهِ نِدًّا؟! مَا شَاءَ
اللهُ وَحْدَهُ» ([2]).
****
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ
عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾ هَذَا فيه النَّهْي عَن الشِّرْك الأَصْغَر، ﴿فَمَن كَانَ
يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا﴾ ولْيَحذَر من الرِّيَاء، ﴿وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾.
قَوْله: «فَكَيْفَ بما هُوَ مَحْض الشِّرْك؟»؛ أي: كيف بالشرك الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ إِيمَان، وَهُوَ الشِّرْك الأَكْبَر، فالشرك خطير جِدًّا، الأَكْبَر مِنْهُ والأصغر، فَلاَ يُتساهل فيه فيقال: هَذَا شرك أصغر؛ لأنه يُحبِط العَمَلَ الَّذِي وقع فيه، فيصير العَمَل تعبًا بلا فَائِدَة، بل يَأثَم صاحِبُه، وَإِذَا كَانَ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم تَخَوَّفَه عَلَى صَحَابَته وحَذَّرَهم مِنْهُ فَكَيْفَ بغيرهم؟ ومنه الشِّرْك فِي الأَلْفَاظ كما فِي حَدِيث: «أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
([1]) أخرجه: النسائي رقم (3773).
الصفحة 3 / 327