×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

الفنون، وَهَذَا كله بإملاء الشَّيْطَان لبني آدَم، وإلا فما المَصْلَحَة من التصوير؟! أَمَّا إِذا كَانَ التصوير ضروريًّا مِثْل ما يوضع فِي البِطَاقَة الشخصية ومثل إِثْبَات الجَرَائِم وتصوير المجرمين والمشبوهين، فَهَذِهِ الصُّوَر يحتاج إِلَيْهَا الأَمْن.

وَقَد حَصَلَ الآنَ وسيلة أحْسن من التصوير وَأَسلَم مِنْهُ، وَهِيَ البصمة بِالإِصْبَعِ، فَهَذِهِ لا تتشابه النَّاس فِيهَا؛ حَيْثُ كل إِنْسَان لَهُ بصمة خَاصَّة؛ فأصبحَت تُغْنِي عَن التصوير، فَلاَ حَاجَة إِلَى التصوير الآنَ.

فَقَوْله صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ صُورَةً»؛ هَذَا عام، «طَمَسْتَهَا» ([1]) حَتَّى يزول شَكلُها، إلاَّ الصُّوَر الضرورية الَّتِي يُحتَفَظ بها لِلضَّرُورَةِ فَهَذِهِ لا بَأْسَ، وإن كَانَ حَصَلَ الآنَ ما يُغْنِي عَنْهَا.

قَوْله: «وَمَنْ أَظْلَمُ» لا أَحَدَ أَظْلَمُ مِن المصوِّر، فَهَذَا دَلِيل عَلَى شدة تَحْرِيم التصوير لأنه أَعْظَمُ الظُّلم، وتَحَدَّى اللهُ المصوِّرِين فَقَالَ: «فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً» وَهِيَ النملة الصَّغِيرَة «أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً» من الحُبُوب؛ لأن الحُبُوب فِيهَا حياة، وَلِذَلِكَ تَنبُت وتَنمُو، «أَوْ شَعِيرَةً» حبة الشَّعِير؛ لأن الخَالِق هُوَ الله جل وعلا، لا يَقدِر عَلَى الخَلق إلاَّ الله.

لما قَدِمَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم من سفرٍ وَأَرَادَ أن يَدخُل حجرة عَائِشَة رأى سترةً عَلَى الجِدَار فِيهَا تصاوير، فَأَبَى أن يَدخُلَ وغَضِبَ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَة الَّذِينَ يُضاهُون بِخَلْقِ اللهِ سبحانه وتعالى »؛ حَتَّى هَتَكَت عَائِشَة السُّتْرَة وقَطَعَتها وجَعَلَتها وسائد، فدَخَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (969).