فإن قلتَ: قَد أَخْرَجَ أَحْمَدُ بْن حَنْبَل، والشافعي
فِي «مُسنَدَيْهِما» مِنْ حَدِيث عَبْد اللهِ بْن عديِّ بْن الخيار أن رجلاً من
الأَنْصَار حدَّثهُ أنهَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي مجلسه،
فسارَّهُ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قتْلِ رَجُل من المنُافقين، فجَهَرَ رَسُول الله صلى
الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ؟»،
قَالَ الأَْنْصَارِيُّ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللهِ؟»، قَالَ: بَلَى، وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ، قَالَ: «أَلَيْسَ يُصَلِّي؟»،
قَالَ: بَلَى، وَلاَ صَلاَةَ لَهُ، قَالَ: «أُولَئِكَ الَّذِينَ نُهِيتُ عَنْ
قَتْلِهِمْ» ([1]).
****
قَوْله: «فإن قلتَ: قَد أَخْرَجَ أَحْمَد بْن حَنْبَل، والشافعي فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ حَدِيث عَبْد اللهِ بْن عديِّ بْن الخيار...»، وهذه شُبْهَة أُخْرَى، فَفِي حَدِيث هَذَا الأَنْصَارِيّ يَقُول: «وَلاَ شَهَادَةَ لَهُ»، «وَلاَ صَلاَةَ لَهُ»، مَعَ أنه يَقُول: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»؛ لأنه يقولها بِلِسَانِهِ فَقَط، ولا يَتجنب ما يُناقِضها وَمَا يُبطِلها، فَهِيَ لا تَنفَعُه، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِي اللهُ عَنْ قَتْلِهِمْ»؛ لأَِنَّهُم يُظهِرون الإِسْلاَم، وَلَمْ يَظْهَر مِنْهُمْ شَيْءٌ يناقِض هَذِهِ الكَلِمَة، أَمَّا لو ظَهَرَ مِنْهُمْ شَيْءٌ يناقِضها لا تَنفعهم، ولا يَدخُلون فِي الإِسْلاَم، والقُبُورِيُّونَ ظَهَرَ مِنْهُمْ علانيةً ما يُبطِل هَذِهِ الكَلِمَة، فمن قَالَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» يُكَفُّ عَنْهُ، ويُحكَم بِإِسْلاَمِهِ، فإن ظَهَرَ مِنْهُ ما يُناقِضها حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ عَن الإِسْلاَم.
([1]) أخرجه: مالك رقم (592)، وأحمد رقم (23670)، والبيهقي رقم (16602).