وفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أبي سعيد فِي
قِصَّة الرَّجُل الَّذِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اتَّقِ اللهَ، وَفِيهِ: قَالَ
خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ، ألا أَضْرِبُ
عُنُقَهُ؟ قَالَ: «لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي، فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ
مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ وَلاَ
أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» ([1]).
****
قَوْله: «وفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أبي سعيد فِي قِصَّة الرَّجُل الَّذِي قَالَ: يا رَسُول اللهِ اتَّق اللهَ...»؛ هَذَا رَجُل من الخَوَارِج الَّذِينَ يغمطون الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، ويقول هَذَا الرَّجُل لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: «اتق الله».. إِلَى غير ذَلِكَ، وَمَعَ هَذَا لم يَقتُلهم الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، لِمَاذَا؟ لأَِنَّهُم يَقُولُونَ: «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ»، فيُقبَل إسلامُهم ظَاهِرًا، حَتَّى يَظْهَر مِنْهُمْ ما يناقِض «لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ» فيُحكَم عَلَيْهِمْ بِالرِّدَّةِ، وَلَمْ يُقتَلُوا دَرْءًا للمَفسَدة؛ فَدَرْء المفاسد مُقدَّم عَلَى جَلْبِ المَصَالِح، وَهَذَا حُكْمُ المنافقين، فَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم لم يَتَعَرَّض لَهُم؛ لأنه لو قَتَلَهُم لَقَالَ النَّاس: إن مُحَمَّدًا يَقتُل أَصْحَابه؛ لأن ظَاهِرَهم أَنَّهُم صَحَابَة، ثُمَّ يصير قَتْلُهُم صدًّا عَن الإِسْلاَمِ، لِقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» ([2])، فدرءًا لهذه المقولة تَرَكَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» لَكِن مَن ظَهَرَ مِنْهُ أنه يَدْعُو غير الله، ويستغيث بِغَيْر الله، ويَذبح لغير الله، كما عِنْدَ القبوريين، فمن أَظْهَرَ الخَيْر قَبِلْنَاهُ، ومَنْ أَظْهَرَ الشَّرَّ أَخَذْنَاهُ به، فَلَيْسَ لَنَا إلاَّ الظَّاهِر، أَمَّا القلوب فَلاَ يَعلَمُها إلاَّ الله سبحانه وتعالى.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4351)، ومسلم رقم (1064).