ثُمَّ إِلَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم،
فَهَذَا دَلِيل عَلَى أن دُعَاء الأَوْلِيَاء والصالحين لَيْسَ بشرك؛ لأن النَّاس
يَوْم القِيَامَة يَطلُبون من أنبياء الله أن يَشفعوا لَهُم عِنْدَ الله،
ويَتوَسَّطوا لَهُم عِنْدَهُ.
فالجواب
عَن هَذَا وَاضِح وَهُوَ: أن أهل المحشر يَطلبون من
الأَنْبِيَاء الأحْيَاء أن يَدْعُوا لَهُم، وطَلَبُ الدُّعَاء من الإِنْسَان
الحَيِّ جَائِز، وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فيه، فأنتم تَدْعُون أمواتًا،
وتَطلبون مِنْهُمْ وتَدْعُونهم، أَمَّا أولئك فهم يُخاطِبون الأَنْبِيَاء
الأَحْيَاء بعد البَعْث والنشور، فهناك فَرْقٌ بَين هَذَا وَهَذَا.
قَوْله: «يأتون آدَم فيَدْعُونه ويستغيثونه» هُم لا يَدْعُونه، ولا يستغيثون به وَلَكِن يَقُولُونَ: «اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ» ([1])؛ فَهُوَ يَدْعُو: «لَهُم بِفَصْلِ الحِسَاب والإراحة من ذَلِكَ المَوْقِف»، يَطلُبون مِنْهُمْ الدُّعَاء، فَطَلَبُ الشَّفَاعَة: يَعْنِي طَلَبَ الدُّعَاء من الحَيِّ، وَهُوَ جَائِزٌ، تقول: يا أَخِي، ادْعُ اللهَ لي، «وَهَذَا جَائِزٌ، فإنه مِن طَلَبِ الشَّفَاعَة وَالدُّعَاء المَأْذُون فِيهِمَا»، الشَّفَاعَة حَقٌّ، وَهِيَ أن يَدْعُو اللهَ لأخيه، فصلاتنا عَلَى المَيِّت شفاعة لَهُ، فطَلَبُ الدُّعَاء من الرَّجُل الحَيّ الصَّالِح جَائِزٌ، بل هُوَ من الأَسْبَاب المشروعة، فَلاَ يُقاس عَلَيْهِ دُعَاء الأَمْوَات، لأن المَيِّت لا يَقدِر أن يَدْعُو لك؛ بل هُوَ بِحَاجَة إِلَى دُعَائِك؛ لأنه لا يَقدِر عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، انْقَطَعَ عَمَلُه كما فِي الحَدِيث: «إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: إلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ»، قَد عَمِلَهَا فِي حَيَاته، وَاسْتَمَرَّ نَفْعُها بعده
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4712)، ومسلم رقم (194).