×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

فمَن جَاءَ إِلَى رَجُلٍ صالحٍ، واستَمَدَّ مِنْهُ أن يَدْعُو لَهُ، فَهَذَا لَيْسَ من ذَلِكَ الَّذِي يَفعله المعتقِدون فِي الأَمْوَات، بل هُوَ سُنَّةٌ حسنةٌ، وَشَرِيعَةٌ ثابتةٌ، وَهَكَذَا طَلَبُ الشَّفَاعَة مِمَّن جَاءَت الشَّرِيعَة المُطَهَّرَةُ بأنه مِنْ أَهْلِها كَالأَنْبِيَاءِ؛ وَلِهَذَا يَقُول الله لرسوله يَوْم القِيَامَة: «سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ» ([1])، وَذَلِكَ هُوَ المقام المحمود الَّذِي وَعَدَهُ الله به كما فِي كِتَابه العَزِيز.

****

قَوْله: «ومنه ما وَرَدَ فِي دُعَاءُ الْمُؤْمِنِ لأَِخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ» كَذَلِكَ تدعو لأخيك الغَائِب هَذَا فيه فَضْلٌ عَظِيمٌ يَنفَعُه بِإِذْنِ اللهِ، فَدُعَاء الصَّالِحِينَ إِذا قَبِلَه اللهُ يَنفَع المَدْعُو لَهُ.

الرَّسُول صلى الله عليه وسلم طَلَبَ من عُمَرَ لَمَّا أَرَادَ أن يَعتَمِرَ، قَالَ لَهُ: «لاَ تَنْسَنَا يا أَخِي مِن دُعَائِكَ»، فَهَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز طَلَبِ الدُّعَاء من الحَيِّ الحَاضِر، وَهَذَا لَيْسَ مِثْل طَلَبِ الدُّعَاء من المَيِّت الهامد الفاني.

 قَوْله: «فَهَذَا لَيْسَ من ذَلِكَ الَّذِي يَفعله المعتقِدون فِي الأَمْوَات» فهناك فرقٌ بينهما، فرقٌ بَين الحَيّ والميت، المَيِّت قَالَ الله فيه: ﴿إِن تَدۡعُوهُمۡ لَا يَسۡمَعُواْ دُعَآءَكُمۡ وَلَوۡ سَمِعُواْ مَا ٱسۡتَجَابُواْ لَكُمۡۖ [فَاطِر: 14].

قَوْله: «بل هُوَ سُنَّةٌ حسنةٌ»؛ أي: أن طَلَبَ الدُّعَاء من الحَيِّ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ وَشَرِيعَةٌ حسنةٌ، وَهُوَ مِن التَّعَاوُن بَين المُسْلِمِينَ.

قَوْله: «وَهَكَذَا طَلَبُ الشَّفَاعَة مِمَّن جَاءَت الشَّرِيعَة المُطهَّرة بأنه مِنْ أَهْلِها كَالأَنْبِيَاءِ» فالذي يَطلبه أهل المحشر من الأَنْبِيَاء هُوَ من هَذَا البَاب، مِن طَلَبِ الشَّفَاعَة من الأَحْيَاء.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4712)، ومسلم رقم (194).