فَانْظُرْ - رَحِمَكَ اللهُ - ما وَقَعَ من كَثِير
من هَذِهِ الأُمَّةِ من الغُلُوِّ المَنْهِيِّ عَنْهُ، المخالِف لِمَا فِي كِتَاب
الله وسُنَّة رَسُوله صلى الله عليه وسلم كما يقوله صاحبُ البُرْدَةِ رحمه الله
تعالى:
يَا
أَكْرَمَ الْخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ **** سِوَاكَ عِنْدَ
حُلُولِ الْحَادِثِ الْعَمَمِ
****
قَوْله: «ما وَقَعَ مِن كَثِير من هَذِهِ الأُمَّةِ من الغُلُوِّ المَنْهِيِّ
عَنْهُ»، كالذين يَغْلُون فِي قرابة الرَّسُول، وأهل البَيْت، فَإِذَا كَانَ
الرَّسُول لا يَملك شَيْئًا فَكَيْفَ بغيره من قرابته، وَهُوَ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
فِي عَمِّهِ وعَمَّتِهِ وابْنَتِهِ، فَكَيْفَ يَملك لهؤلاء شَيْئًا من دون الله عز
وجل ؟!
قَوْله:
«كما يقوله صاحب البُرْدَة رحمه الله
تعالى »، لَيْتَهُ لَم يَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ، فصاحِب البُرْدَةِ هُوَ
البُوصِيرِيُّ، أَصْله مغربيٌّ، ونشأ فِي بلاد بوصير مِن مِصْر، فَسُمِّيَ «البوصيريَّ»، وَكَانَ شاعرًا يَغْلُو
فِي الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ويَمدَحُه بالمدائح الشِّركِيَّةِ، ومنها قَوْله
فِي البُرْدَة: «يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ»
يُخَاطِب الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، «عِنْدَ
حُلُولِ الحَادِثِ العَمَمِ» يَعْنِي: يَوْمَ القِيَامَة، فَهُوَ يَقُول:
لَيْسَ لي أَحَدٌ أَلُوذُ به يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ أَنْتَ، يَعْنِي الرَّسُول:
ونَسِيَ اللهَ عز وجل، نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ، وَلَمْ يَقتَصِرْ عَلَى هَذَا،
بل قَالَ:
إِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مَعَادِي آخِذًا بِيَدِي **** فَضْلاً
وَإِلاَّ قُلْ: يَا زَلَّةَ الْقَدَمِ
هَل
هُنَاك أَشَدُّ مِن هَذَا الغُلُوِّ، ثُمَّ أَشَدُّ مِن هَذَا قَوْلُهُ:
فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضرَّتَهَا **** وَمِنْ
عُلُومِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ وَالْقَلَمِ
هَل عَلَى الأَرْض غُلُوٌّ أَشَدُّ مِن هَذَا، وَمَعَ هَذَا يُرَدِّدُونَ هَذِهِ البُرْدَةَ الشِّركِيَّةَ، ويَطبَعُونها الطباعةَ الفاخرةَ، وَعَلَى الورقِ الفاخرِ، ويُوزِّعونها أَكْثَرَ مِمَّا يَطبَعُون المُصْحَفَ الشَّرِيفَ، ويَقرَؤُونها فِي الموالِدِ كلَّ سَنَةٍ ويُرَدِّدُونها، وَهِيَ شركٌ صَرِيحٌ لا خفاءَ فيه.
الصفحة 3 / 327