×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

فبمجموع هَذِهِ الأُمُور مَعَ تَطاوُل الأَزْمِنَة، وانقراض القَرْن بعد القَرْن يَظُنُّ الإِنْسَانُ مبادئَ عُمُرِه وأوائل أَيَّامه أن ذَلِكَ مِن أَعْظَمِ القُرُبات، وأَفْضَلِ الطَّاعَات، ثُمَّ لا يَنفعه ما تَعَلَّمَه مِن العِلْم بعد ذَلِكَ؛ بل يَذهَل عَن كل حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى أن هَذَا هُوَ الشِّرْكُ بِعَيْنِهِ، وَإِذَا سَمع من يَقُول ذَلِكَ أَنكَره، ونَبَا عَنْهُ سَمعُه، وضاق به ذَرعُه.

****

وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَن البِنَاء عَلَى القبور، ولَعَنَ من فَعَلَهُ، وَأَخْبَرَ أنه فِعل اليهود والنصارى، وكرَّرَ هَذَا فِي آخر لحظة من حَيَاته صلى الله عليه وسلم إشفاقًا عَلَى الأمة، أن تَفعل ما يَفعله اليهود والنصارى من التزيين والتصاوير وَالأَشْيَاء الَّتِي تَغُرُّ الناظرَ إِلَيْهَا، فَالرَّسُول حَذَّرَ من هَذَا وشَدَّدَ فيه، ولَعَنَ من فَعلَه وكَرَّرَ هَذَا، نصيحةً لِلأُمَّةِ.

 قَوْله: «فبمجموع هَذِهِ الأُمُور مَعَ تطاوُل الأَزْمِنَة...» إِذا تطاوَلَ الزَّمَان عَلَى هَذَا الضريح وزارته الأجيال، فَهُم يَستدلون بِهَذَا عَلَى أن هَذَا مَشْرُوع، وأن عَلَيْهِ النَّاس جيلاً بعد جيل، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ [لُقْمَان: 21]، فَلَيْسَ هُنَاك شك أن تطاوُل الزَّمَن عَلَى البَاطِل يُروِّجه، ومن هُنَا يَجِب عَلَى ولاة الأُمُور أن يَحسموا هَذَا الأَمْر، وأن لا يَتركوه ويَتساهلوا فِي شَأْنه، فَعَلَيْهِم أن يُبادِروا بإزالته قبل أن يَستمر ويَغُرَّ الأجيال اللاحقة.

قَوْله: «ثُمَّ لا يَنفعه ما تَعلَّمَه مِن العِلْم بعد ذَلِكَ بل يَذهل عَن كل حُجة شرعية تدل عَلَى أن هَذَا هُوَ الشِّرْك بِعَيْنِهِ»، إِذا تأصَّلَت الشُّبْهَة فِي


الشرح