وانظر إن كنت مِمَّن يَعتَبِر ما ابتُلِيَت به
هَذِهِ الأُمَّة من التقليدات للأموات فِي دين الله، حَتَّى صَارَت كل طائفة تَعمل
فِي جَمِيع مَسَائِل الدِّين بِقَوْل عالِمٍ من عُلَمَاء المُسْلِمِينَ، ولا تقبل
قَوْل غَيره، ولا ترضى به، وليتها وَقَفَت عِنْدَ عَدَم القَبُول والرضا،
لَكِنَّهَا تَجَاوَزَت ذَلِكَ إِلَى الحط عَلَى سَائِر عُلَمَاء المُسْلِمِينَ،
والوضع من شَأْنهم، وتضليلهم، وتبديعهم، والتنفير عَنْهُم.
****
ظَهَرَ التَّعَصُّب للأقوال بدون مَعْرِفَة
دَلِيلهَا، فيكفي أنه قاله فلان فَقَط، وبما أنه قَالَ فلان يكفي ولا يُنظَر إِلَى
دَلِيله! ما دَلِيل فلان عَلَى كَذَا؟ وبما أنه قَالَه فلان فنحن عَلَى قَوْله
وَعَلَى مذهبه، حَيْثُ يطابق هواهم، أَمَّا إِذَا لَمْ يطابق هواهم ضَرَبُوا به
عَرْضَ الحَائِط ولو أنه مقتضى الدَّلِيل، وَلَكِن الَّذِي يوافِق هواهم
ورَغبَتَهم هُوَ الحَقُّ عِنْدَهُم.
وَالأَخْذ
بِقَوْل العَالم الَّذِي عَلَى دَلِيل حَقٌّ، وَالحَقُّ يُقبَل مِمَّن جَاءَ به،
نَحْنُ لا نعيب عَلَى أَخْذِ أَقْوَال العُلَمَاء مُطْلَقًا، نَقُول: ما كَانَ
مِنْهَا عَلَيْهِ دَلِيل فَعَلَى الرَّأْس وَالعَيْن، وَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ
دَلِيل فَلاَ نقبله؛ وَلِهَذَا يَقُول الإِمَام أَبُو حنيفة رحمه الله وَهُوَ
أَقْدَمُ الأَئِمَّة الأَرْبَعَة: «إِذا
جَاءَ الحَدِيث عَن رَسُول الله فَعَلَى الرَّأْس وَالعَيْن، وَإِذَا جَاءَ
الحَدِيث عَن صَحَابَة رَسُول الله فَعَلَى الرَّأْس وَالعَيْن، وَإِذَا جَاءَ
الحَدِيث عَن التَّابِعِينَ فنحن رِجَال وهم رِجَال»؛ لأنه عاصَرَ
التَّابِعِينَ، فيؤخذ بقولهم إِذا وافَقَ الدَّلِيل، ويُترَك ما خَالَفَ
الدَّلِيل، فَهَذِهِ كَلِمَة حَقٍّ، والإمام مالك رحمه الله يَقُول: «كلنا رادٌّ ومردود عَلَيْهِ، إلاَّ صاحب
هَذَا القبر» يَعْنِي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، والإمام الشَّافِعِيّ
رحمه الله يَقُول «إِذا خَالَفَ قَوْلي
قَوْلَ رَسُول الله فاضرِبُوا
الصفحة 7 / 327