×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

ومرنَت عَلَيْهِ نفوسهم، وقبِلَته قلوبهم، وأَنِسُوا إِلَيْهِ، حَتَّى لو أَرَادَ من يتصدى للإرشاد أن يحملهم عَلَى المسائل الشرعية البَيْضَاء النقية الَّتِي تَبَدَّلوا بها غَيرهَا لنَفَرُوا عَن ذَلِكَ، وَلَمْ تَقبَلْه طبائعهم، ونالوا ذَلِكَ المرشد بكل مكروه، ومَزَّقوا عِرْضَه بكل لسانٍ، وَهَذَا كَثِير مَوْجُود فِي كل فرْقَة من الفِرَق لا يُنكِره إلاَّ من هُوَ مِنْهُمْ فِي غفلة.

****

  قَوْله: «لنَفَرُوا عَن ذَلِكَ، وَلَمْ تَقبَلْه طبائعهم»؛ أي: يَنفر أهل البَاطِل عَن قَبُول الحَقّ، وَهَذَا أمرٌ وَاضِح، وَهُوَ نتيجة الإهمال، ورقاد أهل الحَقّ وغفلتهم، وتمكُّن أهل الضَّلاَل، وَهَذَا مِمَّا سبَّبَ الوَاقِع الَّذِي يعيشه العَالم الإسلامي اليومي من الجَهْل وَالضَّلاَل، وبقاء أهل الشِّرْك وأهل الكفر وأهل البِدَع عَلَى حَالهم، لَيْسَ هُنَاك أَحَد يُغيِّرها، وَلَيْسَ هُنَاك أَحَد يُنكِرها، لَيْسَ هُنَاك أَحَد يُبَيِّنها، والآن هُنَاك من يَقُول: إن العَمَل بِالقُرْآنِ كَانَ فِي وقت نزوله، ولا يصلح لِهَذَا الزَّمَان، ولا ينطبق عَلَى هَذَا الزَّمَان. فهناك من يَقُول هَذَا ويكتبه الآنَ، ويقول: تحكيم الشَّرِيعَة لا يصلح لِهَذَا الزَّمَان! لا يصلح إلاَّ القانون الوضعي! وَهَكَذَا يَقُولُونَ، تمكَّنَ دعاة الضَّلاَل الآنَ، وانجَفَلَ دعاة الحَقّ، فَصَارَ من يَدْعُو إِلَى الحَقّ غريبًا بَين النَّاس.

قَوْله: «وَهَذَا كَثِير مَوْجُود فِي كل فرْقَة من الفِرق لا يُنكِره إلاَّ من هُوَ مِنْهُمْ فِي غفلة» فتطاوَلَت الأَلْسِنَة والأقلام والمقالات عَلَى دعاة الحَقّ، وَصَارَ دعاة الحَقّ هُم المجرمون، ودعاة البَاطِل هُم أهل الصَّوَاب وأهل الإِصْلاَح، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ ١١أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ ١٢ [البَقَرَة: 11- 12].


الشرح