ثُمَّ تَجاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى التفسيق والتكفير،
ثُمَّ زَادَ الشَّرُّ حَتَّى صَارَ أهل كل مذهب كأهل ملة مستقلة، لَهُم نَبِيٌّ
مُسْتَقِلٌّ، وَهُوَ ذَلِكَ العَالِم الَّذِي قَلَّدُوه، فَلَيْسَ الشَّرْع إلاَّ
ما قَالَ به دُونَ غَيْرِهِ، وبالَغُوا وغَلَوا فجَعَلُوا قَوْلَهُ مُقَدَّمًا
عَلَى قَوْل الله ورسوله. وهل بعد هَذِهِ الفتنة والمحنة شَيْء من الفتن والمحن!
****
فهم جَمَعُوا بَين جَرِيمَتَين:
الأُولَى:
جريمة مخالَفة الحَقِّ.
الثَّانِيَة:
جريمة النيل من عُلَمَاء المُسْلِمِينَ، فهم يَنالون مِنْهُمْ، ويَحطُّون من
قَدْرِهم، بِسَبَب التَّعَصُّب لعلمائهم.
قَوْله: «ثُمَّ تجاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى التفسيق والتكفير»؛ أي: تجاوَزُوا
الحَطَّ مِن قَدْرِ العُلَمَاء المخالِفين لأهوائهم، إِلَى التفسيق والتبديع
لَهُم.
قَوْله: «ثُمَّ زَادَ الشَّرُّ حَتَّى صَارَ أهل كل
مذهب كأهل ملة مستقلة»، هَذَا كله من التَّعَصُّب، فالإمام الشوكاني رحمه الله
يَنْهَى عَن التَّعَصُّب، أَمَّا أَنَّنَا نَأخُذ من أَقْوَال العُلَمَاء ما
وافَقَ الدَّلِيل فَهَذَا محمود، واحترام العُلَمَاء ولو أخطأوا فِي الاِجْتِهَاد
واجب، فَلاَ نَتَنَقَّصُهم، فالعَالِم يَجتهد وَقَد يُخطئ وَقَد يُصِيب، فإن
أَخْطَأَ فله أَجرٌ وإن أَصَابَ فله أَجْرَان، ولا يُعاب عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ،
وَلَكِن لا نَتَّبِعُه عَلَى الخَطَأ؛ وَلِذَلِكَ الشَّيْخ الإِمَام مُحَمَّد بْن
عَبْد الوَهَّاب وعلماء هَذِهِ البِلاَد مِنْ بَعْده - مَعَ أَنَّهُم حنابلة - لا
يَقتصِرون عَلَى مذهب الإِمَام أَحْمَد مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا إِذا تَبَيَّنَ
لَهُم الدَّلِيل عَلَى قَوْل فِي المذاهب الأَرْبَعَة أَخَذُوا به، ولو كَانَ
يُخالِف