وإن كَانَت تِلْكَ المزايا بِتَقَدُّم عصورهم،
فَالصَّحَابَة، والتابعون أَقْدَم مِنْهُمْ عصرًا بلا خِلاَف، وهم أَحَقُّ
بِهَذِهِ المزايا مِمَّنْ بَعْدَهم؛ لِحَدِيث: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ
الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»([1]).
وإن كَانَت تِلْكَ
المزايا لأَِمْرٍ عقليٍّ فما هُوَ؟ أو لأمر شرعيٍّ فأين هُوَ؟
ولا نُنكِر أَنَّ
اللهَ - سُبْحَانَهُ - قَد جَعَلَهم بمحلٍّ من العِلْم والورع، وصلابة الدِّين،
وأنهم مِنْ أَهْلِ السَّبْق فِي الفضائل والفواضل، وَلَكِن الشَّأْن فِي المتعصِّب
لَهُم من أَتْبَاعهم القائلين: إنّه لاَ يَجُوز تقليد غَيرهم، ولا يُعتَّد
بِخِلاَفِهِ إن خَالَفَ، وَلاَ يَجُوز لأحد من عُلَمَاء المُسْلِمِينَ أن يَخرج
عَن تقليدهم وإن كَانَ عَارِفًا بكتاب الله، وسُنَّة رَسُوله، قَادِرًا عَلَى العَمَل
بما فِيهِمَا، متمكِّنًا من استخراج المسائل الشرعية مِنْهُمَا، فلَمْ يَكُن
مقصودنا إلاَّ التَّعَجُّب لمن كَانَ لَهُ عقل صَحِيح، وفِكرٌ رجيحٌ، ويهون
الأَمْر عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ بصدده من الكَلاَم عَلَى ما يفعله المعتقدون للأموات،
****
قَوْله:
«وإن كَانَت تِلْكَ المزايا بِكَثْرَة
الورع وَالعِبَادَة، فالأمر كَمَا تَقَدَّمَ...»، الأَحْوَال تتغير وتتبدل،
والله جل وعلا يَقُول: ﴿فَٱتَّقُواْ
ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ﴾
[التَّغَابُن: 16].
فالتقليد
لَيْسَ مَمْنُوعًا مُطْلَقًا ولا جَائِزًا مُطْلَقًا، فالإنصاف والعدل فِي هَذَا
مطلوب، لَكِن لا تخاطِب ناسًا جُهَّالاً، وتقول لَهُم: اخْرُجُوا عَن المذاهب
الأَرْبَعَة ولا تَتَقَيَّدُوا بها.
قَوْله: «وَلَكِن الشَّأْن فِي المتعصِّب لَهُم من أَتْبَاعهم، القائلين: إنّه لاَ يَجُوز تقليد غَيرهم، ولا يُعتَدُّ بِخِلاَفِهِ إن خَالَفَ،
الصفحة 7 / 327