وكل عاقلٍ يَعلم أن هَذِهِ المزايا الَّتِي
جَعَلُوها لهؤلاء الأَئِمَّة - رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى - إن كَانَت
بِاعْتِبَارِ كثرة عِلمِهم وزيادته عَلَى عِلم غَيرهم، فَهَذَا مدفوع عِنْدَ كل من
لَهُ اطلاع عَلَى أَحْوَالهم وأحوال غَيرهم؛ فإن فِي أَتْبَاع كل واحد مِنْهُمْ من
هُوَ أَعلَم مِنْهُ، لا يُنْكِر هَذَا إلاَّ مكابِرٌ أو جاهلٌ، فَكَيْفَ بمن لَمْ
يَكُن من أَتْبَاعهم من المُعَاصِرِينَ لَهُم، والمتقدِّمِين عَلَيْهِمْ
والمتأخِّرِين عَنْهُم.
وإن كَانَت تِلْكَ
المزايا بِكَثْرَة الورع وَالعِبَادَة، فالأمر كَمَا تَقَدَّمَ، فإن فِي معاصريهم
والمتقدِّمِين عَلَيْهِمْ والمتأخِّرِين عَنْهُم من هُوَ أَكْثَر عبَادَة وورعًا
مِنْهُمْ، لا يُنْكِر هَذَا الأَمْر إلاَّ من لم يَعرِف تَراجِم النَّاس فِي كُتُب
التواريخ.
****
قَوْله: «وإن كَانَت تِلْكَ المزايا بِكَثْرَة الورع وَالعِبَادَة...»، الشَّيْخ
رحمه الله يُخَاطِب العُلَمَاءَ بِهَذَا الكَلاَم، لا يُخَاطِب به كل أَحَد،
فَلَيْسَ كل أَحَد حرٌّ طليقٌ يَذهب إِلَى حَيْثُ شَاءَ وَهُوَ جاهل، لا يَقصِد
المُؤَلِّف هَذَا أَبَدًا، بل يَقصِد العُلَمَاءَ المُتَمَكِّنِين الَّذِينَ عِنْدَهُم
تَمَكُّنٌ من مَعْرِفَة الحَقّ بِدَلِيلِهِ، فَلاَ يقتصر عَلَى الأَئِمَّة
الأَرْبَعَة، أَمَّا الإِنْسَان العَاجِز، فَلاَ بُدَّ لَهُ من التَّقْلِيد،
وَلَكِن التَّقْلِيد المنضبط الَّذِي لَيْسَ فيه تَعَصُّب.
قَوْله:
«فإن فِي معاصريهم والمتقدمين عَلَيْهِمْ،
والمتأخرين عَنْهُم من هُوَ أَكْثَر عبَادَة وورعًا مِنْهُمْ»، هَذَا لا
يَشُكُّ فيه أَحَد، وَلَكِن لَيْسَ مَعْنى هَذَا التزهيد فِي المذاهب الأَرْبَعَة.
قَوْله:
«لا يُنْكِر هَذَا الأَمْرَ إلاَّ من لم
يَعرِف تَرَاجِم النَّاس فِي كُتُب التواريخ»، لَكِن أين هُم الَّذِينَ
يَتحَدَّث عَنْهُم الشَّيْخ؟ إِنَّهُم فِي المقابر.