×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

هَذَا إِذَا لَمْ يَكُن دَفْعُهُ بما هُوَ دون ذَلِكَ من الضَّرْب والحبس والتعزير؛ فإن أَمْكَنَ وَجَبَ تَقْدِيم الأَخَفِّ عَلَى الأغلظ؛ عملاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ [طَهَ: 44]، وبقوله: ﴿ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ [المُؤْمِنُون: 96].

****

  قَوْله: «فإن أَمْكَنَ وَجَبَ تَقْدِيمُ الأخف عَلَى الأغلظ» فَإِذَا أَمْكَنَ إرجاعه إِلَى الحَقّ بالتأديب والتعزير؛ فإنه يُعمَل مَعَهُ الأخف، وإن لم يَرجع ويَكُف شره فَلاَ بُدَّ من السَّيْف بالجهاد فِي سَبِيل الله، كما فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ المشركين بَعْدَ أَن بَيَّنَ لَهُم ووَضَّحَ لَهُم ودَعَاهم إِلَى الله فأَصَرُّوا وَلَمْ يَقبَلُوا؛ أَمَرَهُ اللهُ بالجهاد.

قَوْله: «عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ [طَهَ: 44] »: قَالَ الله لموسى وهارون لَمَّا أَرسَلَهما إِلَى فرعون وَهُوَ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ: ﴿ٱذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ٤٣فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ ٤٤ [طَهَ: 43- 44]، إِذا كَانَ فرعون وَهُوَ يَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ يُقَال لَهُ القَوْلُ اللَّيِّنُ فِي دَعوَتِه فمِن بَاب أولى غَيره مِمَّن يَدَّعِي الإِسْلاَم أنه يؤتى بالتي هِيَ أحْسَنُ، ﴿وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ [النَّحْل: 125]، فإن أَجْدَى فيه، وإلا فإنه يصار إِلَى الحسم بالسيف، وَآخِرُ الطِّبِّ الكَيُّ كما قَالُوا، وفي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأۡتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ [طَهَ: 47] فيه أنه لاَ بُدَّ من الاتصال بالولاة إِذا أخطأوا، لِقَوْلِهِ ﴿فَأۡتِيَاهُ [طَهَ: 47] ما قَالَ: قِفُوا فِي الشوارع أو فِي اجتماعات النَّاس وسُبُّوا فرعون! لأن هَذَا إِنَّمَا يَزِيد الأَمْرَ شَرًّا؛ لَكِن قَالَ: ﴿فَأۡتِيَاهُ ُ [طَهَ: 47] مباشَرَةً، فَهَذَا فيه دَلِيل عَلَى توصيل النصيحة لولي الأَمْر سرًّا، وَأَمَّا الكَلاَم عَلَيْهِمْ فِي المنابر والمجالس فَهَذَا شرٌّ؛ يَزِيد الشَّرَّ شرًّا.


الشرح