وَالَّذِي قام بقلوب هَؤُلاَءِ المشركين أن آلهتهم
تَشفع لَهُم عِنْدَ الله، وَهَذَا عَيْنُ الشِّرْك، وَقَد أَنكَرَ الله ذَلِكَ فِي
كِتَابه وأَبطَلَه، وَأَخْبَرَ أن الشَّفَاعَة كلها لَهُ.
****
قَوْله: «وَالَّذِي قام بقلوب هَؤُلاَءِ المشركين...»، تَقَدَّمَ أن عُبَّاد
القبور الَّذِينَ يستغيثون بالأموات ويَذبحون لَهُم ويَنذرون لَهُم، يَقُولُونَ،
إِنَّنَا نَفعل هَذَا معهم من بَاب طَلَبِ الشَّفَاعَة مِنْهُمْ، فنحن لا نَعبدهم،
وَلَكِن نَحْنُ نَتقرَّب إِلَيْهِمْ مِن أَجْلِ أن يُقرِّبونا إِلَى الله،
وَنَحْنُ نَعلم أَنَّهُم مخلوقون، وأنهم لا يَخلقون شَيْئًا، وَلَكِن نَطلُب
مِنْهُمُ الشَّفَاعَة.
وهذه
حُجة الكُفَّار والمشركين مِن قَبْلُ؛ مِنْ أَهْلِ الجَاهِلِيَّة، قَالَ الله عز
وجل عَنْهُم: ﴿وَيَعۡبُدُونَ
مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ
هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾
[يُونُس: 18]، فهؤلاء لم يَتقرَّبوا إِلَيْهِمْ لأَِنَّهُم يَنفعون أو يَضرون،
فَهُم يَعلَمون أَنَّهُم لا يَنفعون ولا يَضرون، يُدرِكون هَذَا، وَإِنَّمَا
يتقرَّبون إِلَيْهِمْ لأَِنَّهُم صالحون، فهُم يَشفعون لَهُم عِنْدَ الله.
فنقول:
الشَّفَاعَة حَقٌّ أَثبَتَهَا اللهُ سبحانه وتعالى، وَلَكِن لها شُرُوط:
الشَّرْط
الأَوَّل: أن تَكُون بِإِذْنِ اللهِ، واللهُ لم يأذن بِعبَادَة
الأَمْوَات والتقرب إِلَيْهِمْ لِيَشفَعوا، فهَم لم يُحقِّقوا هَذَا الشَّرْط.
الشَّرْط
الثَّانِي: أن يَكُون المشفوع فيه مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيد، أَمَّا
أهل الشِّرْك فما تَنفعهم شفاعة الشَّافِعِينَ، فأهل الشِّرْك لا تُقبَل فِيهِم
الشَّفَاعَة، وهم يشرِكون الصَّالِحِينَ مَعَ الله ويعبدونهم، وفي الآيَة
الأُخْرَى: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ
مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ﴾
[الزُّمُر: 3]؛
الصفحة 4 / 327