×
فتح الولي الحميد في شرح كتاب الدر النضيد

فهذا الذي جاء إلى القبر زائرا ودعا الله وحده، وتوسل بذلك المَيِّت؛ كَأَنْ يَقُولَ: اللهم إني أَسْأَلك أن تشفيني من كَذَا، وأتوسل إِلَيْك بما لِهَذَا العَبْد الصَّالِح من العِبَادَة لكَ، والمجاهَدة فيكَ، والتعلم والتعليم خالصًا لك، فَهَذَا لا تَرَدُّدَ فِي جَوَازِهِ.

لَكِن لأي مَعْنى قام يَمْشِي إِلَى القبر؟ فإن كَانَ لمحض الزِّيَارَة، وَلَمْ يَعزِم عَلَى الدُّعَاء والتَّوسُّل إلاَّ بعد تجريد القَصْد إِلَى الزِّيَارَة، فَهَذَا لَيْسَ بممنوع، فإنه إِنَّمَا جَاءَ ليزور. وَقَد أَذِنَ لَنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِزِيَارَة القبور بِحَدِيث: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ألاَّ فَزُورُوهَا» ([1]) وَهُوَ فِي الصَّحِيح. وخَرَجَ صلى الله عليه وسلم لِزِيَارَة الموتى، وَدَعَا لَهُم، وعَلَّمَنَا كيف نَقُول إِذا نَحْنُ زُرْنَاهم، وَكَانَ يَقُولُ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ،، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ» ([2])، وَهُوَ أَيْضًا فِي الصَّحِيح بِأَلْفَاظٍ وَطُرُقٍ.

فَلَم يَفْعَل هَذَا الزَّائِرُ إلاَّ ما هُوَ مأذون به وَمَشْرُوع، لَكِن بِشَرْط أن لا يَشُدَّ رَاحِلَتَهُ، وَلاَ يَعْزِم عَلَى سَفَرِه، ولا يَرْحَل كما وَرَدَ تَقْيِيد الإِذْن بِالزِّيَارَةِ للقبور بِحَدِيث: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ» ([3]).

****

  قَوْله: «فَهَذَا لا تَرَدُّدَ فِي جَوَازِهِ» نَقُول: هَذَا لَيْسَ بِجَائِز، ولا تَرَدُّدَ فِي تَحْرِيمه، فَيَوْم القِيَامَة: ﴿لَا تَمۡلِكُ نَفۡسٞ لِّنَفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗاۖ [الاِنْفِطَار: 19]، وَالَّذِي وَرَدَ


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (977).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (249)

([3])  أخرجه: البخاري رقم (1189)، ومسلم رقم (1397).