واعلم أن السَّائِل - كَثَّرَ اللهُ فَوَائِدَهُ -
ذَكَرَ فِي جُمْلَة ما سَأَلَ عَنْهُ: أنه لو قَصَدَ الإِنْسَانُ قبرَ رَجُل من
المُسْلِمِينَ مشهورٍ بالصلاح، ووَقَفَ لديه وَأَدَّى الزِّيَارَةَ، وَسَأَلَ الله
بأسمائه الحُسْنَى، وبما لِهَذَا المَيِّت من المنزلة، هَل تَكُون هَذِهِ البِدْعَة
عبَادَةً لِهَذَا المَيِّت، ويَصدُق عَلَيْهِ أنه قَد دَعَا غيرَ الله، وأنه قَد
عَبَدَ غيرَ الرَّحْمَن، وسُلِبَ عَنْهُ اسمُ الإِيمَان، ويَصدُق عَلَى هَذَا
القبر أنه وثنٌ من الأَوْثَان، ويُحكَم بِرِدَّة ذَلِكَ الدَّاعِي، وَالتَّفْرِيق
بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِسَائِه، واستباحة أمواله، ويُعامَل مُعَامَلَة المُرْتَدِّين،
أو يَكُون فاعلاً مَعْصِيَة كَبِيرَة أو مَكْرُوهًا؟
وأقول: إِنَّا قَد
قَدَّمْنَا فِي أوائل هَذَا الجَوَابِ أنه لا بَأْسَ بالتَّوسُّل بِنَبِيٍّ من
الأَنْبِيَاء، أو وليٍّ من الأَوْلِيَاء، أو عالِمٍ من العُلَمَاء. وأَوْضَحْنَا
ذَلِكَ بما لا مزيد عَلَيْهِ.
****
قَوْله: «لا بَأْسَ بالتَّوسُّل بِنَبِيٍّ من الأَنْبِيَاء، أو وليٍّ من
الأَوْلِيَاء أو عالِمٍ من العُلَمَاء» غَلَطٌ مِن الإِمَام الشوكاني رحمه
الله ذَكَرَهُ فِي أَوَّل الرِّسَالَة وَأَعَادَهُ هُنَا، يَقُول: يَجُوز أنك
تَتَوَسَّلُ بعمل الغَيْر، وبصلاح الصَّالِحِينَ وبأعمالهم.
وَنَقُول:
هَذَا خَطَأ؛ لأن صَلاَح الصَّالِحِينَ لَهُم، فَلاَ تتوسل به، وَإِنَّمَا تتوسل
بِعَمَلِكَ أَنْتَ، وأعمالك الصَّالِحَة الَّتِي قَدَّمْتَهَا، هَذَا الَّذِي
وَرَدَ به الدَّلِيل، أَمَّا أنك تتوسل بعمل غيرك وصلاحهم؛ فَهَذَا لا دَلِيل
عَلَيْهِ وَلاَ يَجُوز؛ لأَِنَّ اللهَ جل وعلا قَالَ: ﴿تِلۡكَ أُمَّةٞ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم
مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسَۡٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [البَقَرَة: 134]، ذَكَرَ - سُبْحَانَهُ - ذَلِكَ
بموضعين من سُورَة البَقَرَة؛ لِيُبَيِّنَ لَنَا - سُبْحَانَهُ - أنه لا يَنفعك
صَلاَح الصَّالِحِينَ؛ إِذَا لَمْ تَصلُح أَنْتَ وتَعمل أَنْتَ فَلاَ يَنفعك
عَمَلُ غيرك.