وقد وقع في هذه الأمة مثل
ما وقع لقوم نوح لما أظهر الشيطان لكثير مِنْ المفتونين الغلو والبدع في قالب
تعظيم الصالحين ومحبتهم، ليوقعهم فيما أوقع به قوم نوح، فما زال الشيطان يوحي إلى
عبَّاد القبور ويلقي إليهم أَنَّ البناء والعكوف على قبور الصالحين يُعْتَبَرُ
مَحَبّةً لهم، وأَنَّ الدعاء عند قبورهم يستجاب، ثم ينقلهم مِنْ هذه المرتبة إلى
الدعاء والتوسل بها، فإذا ألفوا ذلك، نقلهم منه إلى دعاء المقبورين وعبادتهم
وسؤالهم الشفاعة مِنْ دون اللَّه عز وجل ، فَتُصْبح قبورهم أوثانا تُعلق عليها
القناديل وتُسْدَل عليها الستور ويطاف بها وتُسْتَلَم وتُقَبَّل، فإذا أَلِفُوا
ذلك، نقلهم إلى أَنْ يدعوا الناس إلى عبادة هذه القبور واتخاذها أعيادًا ومناسك،
فإذا ألِفُوا ذلك وتقرر عندهم، نقلهم إلى اعتقاد أَنْ مَنْ نهى عنه فقد تنقص
الأولياء وأبغضهم وزعم أنَّه لا حرمة لهم ولا قَدْرَ لهم.
وقد سَرَى ذلك في نفوس كثير مِنْ الجُهَّال والطغَّام،
وكثير ممَّنْ ينتسب إلى العلم والدين، حتى عادوا أهل التَّوْحِيْد، ورموهم
بالعظائم، ونفروا الناس عنهم، فعلوا ذلك كله تحت ستار حب الصالحين وتعظيمهم، وقد
كذبوا في ذلك، لأَنَّ محبَّة الصالحين على الحقيقة تكون على وفق الكتاب
والسُّنَّة، وذلك بمعرفة فضلهم والاقتداء بهم في الأعمال الصالحة مِنْ غير إفراط
ولا تفريط: ﴿يَقُولُونَ
رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا
تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ
رَّحِيمٌ﴾ [الحَشر: 10].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «فكُل مَن غلا في نبي أو رجُل صالح وَجَعَل فيه نوعا مِنْ الإلهية مثل أَنْ يقول: يا سيدي فلان، انصرني، أو: أغثني، أو: ارزقني، أو: أنا في حسبك... ونحو هذه مِنْ الأقوال،