وإلى جانب هؤلاء الُمغْرِقِين في التقليد الأعمى في
الأصول والفروع، إلى جانبهم جماعة أخرى على النقيض منهم، ترى وجوب الاجتهاد على كل
أحد، ولو كان جاهلاً لا يحسن قراءة القرآن ولا يعرف شَيْئًا عن العلم، ويحرِّمون
النظر في كتب الفقه، ويريدون مِنْ الجُهَّال أَنْ يستنبطوا الأحكام مِنْ الكتاب والسُّنَّة،
وهذا تطرُّفٌ شنيع، وخطر هؤلاء على الأمة الإسلامية لا يقل عن خطر الفريق الأول
إِنْ لم يزد عليه، وخير الأمور الوسط والاعتدال، بأَنْ لا نقلد الفقهاء تقليدا
أعمى، ولا نزهد بعلمهم ونترك أقوالهم الموافقة للكتاب والسُّنَّة، بل ننتفع بها
ونستعين بها على فهم الكتاب والسُّنَّة، لأنَّها ثروة علمية ورصيد فقهي عظيم يؤخذ
منه ما وافق الدليل ويترك ما خالف الدليل، كما كان السلف الصالح يفعلون ذلك،
خصوصًا في هذا الزمان، الذي تقاصرت فيه الهمم، وفشا فيه الجهل، فالواجب الاعتدال
بلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تساهل، ونسأل اللَّه عز وجل أَنْ يهدي ضال
المسلمين ويثبت أئمتهم وقادتهم على الحق... إنَّه سميعٌ مجيب.
وكما لا تجوز طاعة العلماء في تحليل الحرام وتحريم
الحلال، فكذلك لا تجوز طاعة الأمراء والرؤساء في الحكم بين الناس بغير الشريعة
الإسلامية، لأنَّه يجب التحاكم إلى كتاب اللَّه وسنة رسوله في جميع المنازعات
والخصومات وشئون الحياة، لأَنَّ هذا هو مقتضى العبودية والتوحيدة لأَنَّ التشريع
حق للَّه وحده، كما قال تعالى: ﴿أَلَا
لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ﴾ [الأعرَاف: 54] ، أي: هو الحَكَمُ وله الحُكْمُ.
قال تعالى: ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ﴾ [الشّورى: 10] .
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد