وقال تعالى: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي
شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ
ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النِّسَاء: 59] .
فالتحاكم إلى شرع اللَّه ليس لطلب العدل فقط، وإِنَمَّا
هو في الدرجة الأولى تَعَبُّدٌ لِله وحق للَّه وحده وعقيدة، فمَنْ احتكم إلى غير
شرع اللَّه مِنْ سائر الأنظمة والقوانين البشرية، فقد اتخذ واضعي تلك القوانين
والحاكمين بها شركاء للَّه في تشريعه:
قال اللَّه تعالى: ﴿أَمۡ
لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ﴾ [الشّورى: 21] ،
وقال تعالى: ﴿وَإِنۡ
أَطَعۡتُمُوهُمۡ إِنَّكُمۡ لَمُشۡرِكُونَ﴾[الأنعَام: 121]
وقد نفى اللَّه الإيمان عمَّن تحاكم إلى غير شرعه، قال
تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى
ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ
أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ
أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ﴾ [النِّسَاء: 60]... إلى قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا
يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ
فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾ [النِّسَاء: 65] .
فَمَنْ دعا إلى تحكيم القوانين البشرية، فقد جعل للَّه شريكا في الطاعة والتشريع، ومن حكم بغير ما أنزل اللَّه، يرى أنَّه أحسن أو مساوٍ لما أنزله اللَّه وشرعه أو أنَّه يجوز الحكم بهذا، فهو كافر باللَّه، وإِنْ زعم أنَّه مؤمن، لأَنَّ اللَّه أنكر على مَنْ يريد التحاكم إلى غير شرعه وكذبهم في زعمهم الإيمان، لأَنَّ قوله: ﴿يَزۡعُمُونَ﴾ متضمن لنفي إيمانهم، لأَنَّ هذه الكلمة تقال غالبًا لمَنْ يدَّعي دعوى هو فيها كاذبٌ، ولأنَّ تحكيم القوانين تحكيم للطاغوت، واللَّه قد أمر بالكفر بالطاغوت، وجعل الكفر بالطاغوت ركن التَّوْحِيْد، كما قال تعالى: ﴿فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ﴾ [البَقَرَة: 256] ،