ولهذا قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه لما سُئل عن
قوله تعالى: ﴿ٱلرَّحۡمَٰنُ
عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ [طه: 5] ،
كَيَفَ اسَتَوَى؟ قال: «الاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالكَيْفُ مَجْهُولٌ،
وَالإِيْمانُ بِه وَاجِبٌ، وَالسَّؤالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ». وما قال الإمام مالك في
الاستواء هو قاعدة في جميع الصفات، وهو قول أهل السُّنَّة والجماعة قاطبة، فَمَنْ
نسب إلى السلف أنَّهم يفوضون معاني الأسماء والصفات ويجعلون نصوصها مِنْ المتشابه
الذي استأثر اللَّه بعلم معناه، فقد كذب عليهم، لأَنَّ كلامهم يخالف ما يقوله هذا
المفتري.
ثالثًا: السلف يثبتون الصفات إثباتًا بلا تمثيل، فلا
يمثلونها بصفات المخلوقين، لأَنَّ اللَّه ليس كمثله شيء ولا كفء له ولا ند له ولا
سمي له، ولأَنَّ تمثيل الصفات وتشبيهها بصفات المخلوقين ادعاء لمعرفة كيفيتها،
وكيفيتها مجهولة لنا مثل كيفية الذات، لأنَّ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم
بكيفية الموصوف، واللَّه تعالى لا يعلم كيفية ذاته إلا هو، والكلام في الصفات فرع
عن الكلام في الذات، فكما أَنَّ للَّه ذاتا لا تشبه الذوات، فكذلك له صفات لا
تُشبهُ الصفات،﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ
شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ [الشّورى: 11] ، أي: لا يشبهه أحد لا في ذاته
ولا في صفاته ولا في أفعاله.
فيجب الإيمان بما وصف اللَّه به نفسه، لأنَّه لا أحد أعلم مِنْ اللَّه باللَّه،﴿ءَأَنتُمۡ أَعۡلَمُ أَمِ ٱللَّهُۗ﴾ [البَقَرَة: 140] ، فهو أعلم بنفسه وبغيره، كما يجب الإيمان بما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، لأنَّه لا أحد بعد اللَّه أعلم باللَّه مِنْ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي قال اللَّه في حقه: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤﴾ [النّجْم: 3-4] ، فيلزم كل مكلف أَنْ يؤمن بما وصف اللَّه به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وينزِّه ربه جل وعلا مِنْ أَنْ تُشْبِهَ صفته صفة الخلق.