ولعله يُشِيرُ إلى الحديث الذي أَخرَجَهُ النَّسائيُّ
في «سُنَنِهِ»، والتِّرمذِيُّ وصَحَّحَهُ، وابنُ ماجَهْ وغيرهم: أنَّ أَعْمَى
أَتَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، إِنِّي أُصِبْتُ
فِي بَصَرِي فَادْعُ اللهَ لِي، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَوَضَّأْ
وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ
إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَشْفَعُ بِكَ فِي رَدِّ
بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْ نَبِيِّي فِيَّ»، وقال: «فَإِنْ كَانَ لَكِ حَاجَةٌ
فَمِثْلُ ذَلِكَ» ([1])، فَرَدَّ اللهُ
بَصَرَهُ.
****
قوله: «ولَعلَّه يُشِيرُ إلى الحديثِ»، وحَاصِلُه أنَّ الأعمى تَوَسَّلَ إلى
الله بدعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه طَلَبَ مِن النبيِّ أن يَدعُوَ اللهَ
أن يَرُدَّ عليه بَصَرَهُ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أن يَتَوَضَّأَ
وأن يُصَلِّيَ وأن يَدعُوَ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم أيضًا يَدعُو له، وقال: «اللَّهُمَّ شَفِّعْ نَبِيِّي فِيَّ»؛
أي: اقْبَلْ دعاءَهُ لي، فتَقبَّلَ اللهُ دعاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ورَدَّ
عليه بَصَرَهُ، فهذا تَوسُّلٌ بدعاءِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليس تَوَسُّلاً
بِذَاتِهِ، لأنه قال: «فَادْعُ اللَّهَ
لِي»، وقوله: «اللَّهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ»؛ يعني:
بدعائه؛ لأنه طَلَبَ مِن النَّبِيِّ أن يَدعُوَ له، فالحديث يُفسِّرُ بعضه بعضًا.
قوله: «يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَشْفَعُ بِكَ فِي رَدِّ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْ نَبِيِّي فِيَّ»؛ يعني: أَتَشَفَّعُ بدعاء النبيِّ؛ لأنه طَلَبَ مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يَدعُوَ له، فالرَّسول قال له: تَوضَّأْ وصَلِّ وادْعُ بهذا الدُّعَاءِ، فالرسول دَعَا والرَّجُلُ دَعَا، فاستجابَ اللهُ له، فهذا مِن التَّوسُّلِ بدعاءِ الشَّخصِ.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3578)، والنسائي رقم (10495)، وابن ماجه رقم (1385)، وأحمد رقم (17240).