فإن هذه الآيات الشريفة ليس فيها إلاَّ أنه تعالى
المنفرد بالأمر في يوم الدِّين، وأنه ليس لغيره مِن الأمر شيءٌ، والمتوسِّل بنبيٍّ
من الأنبياء أو عالِمٍ من العلماء لا يَعتَقِد أن لِمَن تَوَسَّلَ به مشاركةً لله
جل وعلا في أَمْرِ يَوْمِ الدِّين،
****
فهذا ليس مشاركةً لله في الأمر، لا في
الدُّنْيَا ولا في الآخرة، الأمر لله سبحانه وتعالى، إنما تَطلُب منه أن يَدعُو،
والدُّعَاء مشروعٌ، فيَدعُو لنفسه ويَدعُو لكَ، أنتَ تقول: ﴿رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ
لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾
[إبراهيم: 41]، أَلَسْتَ تَدْعُو لِغَيرِكَ؟ تَدعُو لِغيركَ من الأحياء والأموات،
هذا تَوسُّلٌ إلى الله عز وجل بدعائهم، فإنك تَطلُب منه أن يَدعُو لكَ؛ هذا لا
إشكالَ فيه، ولا مانعَ منه، وإنما الممنوع أن تَدعُو اللهَ بعمل غيرك وصلاح غيرك وعِلم
غيرك كما يراه المؤلف، وهذا لا يُوافَقُ عليه.
قوله: «إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدِّين»، قال تعالى: ﴿وَٱلۡأَمۡرُ يَوۡمَئِذٖ لِّلَّهِ﴾ [الانفطار: 19] وقال: ﴿لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ﴾ [الروم: 4]، فالأمر كُلُّه لله، فلا شَكَّ أن الأمرَ لله، فإذا تَوسَّلتَ بدعاء شخصٍ حيٍّ صالحٍ حاضرٍ عندكَ ليس معناه أنه يُنازِعُ اللهَ في الأمر، ولكن معناه أنه يَتقَرَّب إلى الله بالدُّعَاء لكَ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال الله له: ﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ﴾ [آل عمران: 128]، لَمَّا قالَ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا» ([1]) يدعو عليهم لِمَا حَصَلَ منهم مِن الضرر بالمسلمين، قال الله جل وعلا: ﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ ٱلۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ﴾ [آل عمران: 128]، وقد تاب الله عليهم، فهؤلاء الذين دعا عليهم
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4069).