وأَخْرَجَ مُسلِمٌ عن جندب بن عبد الله رضي الله
عنه أنه سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ألاَّ فَلاَ
تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» ([1])، وأَخرَجَه أحمدُ
بسندٍ جيدٍ، وأبو حاتمٍ في صحيحه عن ابن مسعودٍ مرفوعًا: «إِنَّ مِنْ شِرَارِ
النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَالَّذِينَ يَتَّخِذُونَ
الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» ([2])،
****
نَصَرَ اللهُ الإسلامَ وظَهَرَ، فإنه كان يُحَذِّرُ
مِن الشِّركِ، ولم يَقُلْ: «انتهى الأمرُ»،
أو: «إن الناس أصبحوا مسلمين ولا يُخاف
عليهم»؛ لأنه صلى الله عليه وسلم الناصح الأمين، ففي أَحْرَجِ حالات سكرات
الموت التي يعاني منها، يَطرَحُ خميصةً على وَجْهِهِ فإذا اغْتَمَّ بها كَشَفَهَا،
وعنده ماءٌ يَنضَحُ على وَجْهِهِ مِن شِدَّةِ النَّزْعِ، فقال وهو كذلك: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، لِمَا قال هذا في هذه الحالة؟ قال هذا «يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا»؛ أي: لا
تَقَعُوا في مثل ما وَقَعُوا فيه، بل احْذَرُوا، ولم يقل: المسلمون الآن عَرفُوا؛
بل إنه خاف عليهم مِن بَعدِهِ عليه الصلاة والسلام، يُحَذِّرُ ما صَنَعُوا، وقالت
عائشةُ رضي الله عنها وهي راويةُ الحديثِ: «لَوْلاَ
ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا» ([3]).
قوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» من اليهود والنصارى مع أنهم أهل كتابٍ، وأهل دِينٍ سماوِيٍّ يَنتَسِبون إلى الأنبياء: إلى موسى
([1]) أخرجه: مسلم رقم (532).