ورأيتُ في بعض كُتُب التاريخ: أنه قَدِمَ رسولٌ
لبعض الملوك على بعض خلفاء بني العباس، فبالَغَ الخليفةُ في التهويل على ذلك
الرسول، وما زال أعوانه ينقلون من رتبة إلى رتبة حتى وصل إلى المجلس الذي يَقعُدُ
الخليفةُ في بُرجٍ من أبراجه، وقد جُمِّلَ ذلك المنزل بأبهى الآيات، وقَعَدَ فيه
أبناء الخلفاء وأعيان الكبراء، وأشراف الخليفة من ذلك البرج، وقد انخَلَعَ قَلْبُ
ذلك الرسول مما رأى، فلما وَقَعَت عيناه على الخليفة قال لمن هو قابضٌ على يَدِهِ من
الأمراء: أهذا الله؟ فقال ذلك الأمير: بل هذا خليفة الله! فانظر ما صَنَعَ ذلك
التحسينُ بِقَلْبِ هذا المسكينِ!
****
قوله: «ورأيتُ في بعض كتب التاريخ...»: جاء مندوبٌ من بعض الدول إلى أحد
خلفاء بني العباس، فأراد هذا الخليفةُ أن يَظهَرَ أمامه بالمَظهَر العجيب، فصَنَعَ
كل ما تَمَكَّنَ منه من تعظيم المجلس، وتعظيم القصر، وتنظيم الناس في الجلوس، وصار
هو في بُرْجٍ مُنفَصِلٍ مُرتَفِعٍ على الناس، وقَصدُهُ من هذا أن يَبعَثَ في نفس
هذا المندوب تعظيمه، حتى يَذهَبَ إلى دولته ويُخبِرَ بعظمة سلطان المسلمين، وما
هكذا تكون العظمة.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة المسلمين في المشرق والمغرب، رَعِيَّتُهُ غَطَّت مشارق الأرض ومغاربها، ومع هذا كان يَخرُجُ من بيته وينام على الرمل مثل الناس، يَبحَث له عن الظل للشجر أو الحيطان، ثم يَجمَع ترابًا ويَتوَسَّدُه فينام عليه، رضي الله عنه مع أنه أكبر خليفة وأكبر مَلِكٍ في وقته، فليس التعظيم بالمَظاهِر، وإنما التعظيم بتقوى الله سبحانه وتعالى،
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد