بالدعوة إِلَى تَوْحِيد الأُلُوهِيَّة، وَلَمْ
يَطلُبُوا مِن الخَلق تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّة لأَِمْرَيْنِ: الأَوَّل: لأنه
مَوْجُودٌ فِيهِم بِفِطَرِهِم؛ فهم يُقِرُّون بتوحيد الرُّبُوبِيَّة. الثَّانِي:
أنه لا يُغنِي وَحْدَهُ، فلو أَقَرُّوا بتوحيد الرُّبُوبِيَّة لم يُدخِلهم ذَلِكَ
فِي الإِسْلاَم؛ لأن المشركين أَقَرُّوا به، وَلَمْ يُدخِلهم فِي الإِسْلاَم،
والرسل طالَبَتهم بتوحيد الأُلُوهِيَّة، وَلَمْ تُطالِبهم بتوحيد الرُّبُوبِيَّة؛
لأَِنَّهُم يُقِرُّون به. وعلماء الكَلاَم فِي عَقَائِدهم الَّتِي تُدرَّس الآنَ
فِي مدارسهم كلها مَبْنِيَّة عَلَى تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة، وَهُوَ الإِقْرَار بالخالق
والرَّد عَلَى الملحدين وو..، لَكِن تَوْحِيد العِبَادَة لا يَذكُرُونه، ولا
يَذكُرُون الأُلُوهِيَّة فِي مؤلَّفاتهم، فَهِيَ هَبَاءٌ منثورٌ لا يُغنِي
شَيْئًا، إِنَّمَا المطلوب مَعْرِفَة تَوْحِيد الأُلُوهِيَّة وَالعِبَادَة، هَذَا
هُوَ الَّذِي جَاءَت به الرُّسُلُ ونَزَلَت به الكُتُبُ، وَدَعَا إِلَيْهِ
الأَنْبِيَاء وَالمُرْسَلُونَ والمُصلِحُون من العُلَمَاء، وتوحيد الأَسْمَاء
والصفات دَاخِلٌ فِي تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة، وَلَكِن لَمَّا ظَهَرت الفِرَق من
الجَهْمِيَّة والمعتزلة والأشاعرة وَأَتْبَاعهم، وتَكَلَّمُوا فِي الأَسْمَاء
والصفات وأَوَّلُوها؛ أَفْرَدَ العُلَمَاء تَوْحِيد الأَسْمَاء والصفات وجَعَلُوه
قِسمًا مُستقِلًّا، فَقَالُوا: التَّوْحِيد ثَلاَثَة أنواع: تَوْحِيد
الرُّبُوبِيَّة، وتوحيد الأُلُوهِيَّة، وتوحيد الأَسْمَاء والصفات، وَالأَصْل أن
التَّوْحِيد نوعان: تَوْحِيد الرُّبُوبِيَّة، وتوحيد الأُلُوهِيَّة.