وكل عالِمٍ يَعلم هَذَا ويُقِر به؛ فإن العِلَّة
وَاحِدَة، وَعبَادَة غير الله تَعَالَى وتشريك غَيره مَعَهُ يَكُون للحيوان كما
يَكُون للجماد، وللحي كما يَكُون للميت.
فمن زَعَمَ أن
ثَمَّ فَرْقًا بَين من اعتَقَد فِي وثنٍ من الأَوْثَان أنه يَضر أو يَنفع، وبين من
اعتَقَدَ فِي ميت من بني آدَم، أو حي مِنْهُمْ أنه يَضر أو يَنفع، أو يَقدِر عَلَى
أمرٍ لا يَقدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللهُ، هُوَ دُعَاء غير الله فِي الأَشْيَاء
الَّتِي تَختَص به؛ فقد غَلطَ غَلَطًا بَيِّنًا، وأَقَرَّ عَلَى نفسه بجهلٍ كبيرٍ؛
فإن الشِّرْك هُوَ دُعَاء غير الله فِي الأَشْيَاء الَّتِي تَختَصُّ به، أو اعْتِقَاد
القُدْرَة لغيره فِيمَا لا يَقدِرُ عَلَيْهِ سواه، أو التَّقَرُّب إِلَى غَيره
بِشَيْءٍ مِمَّا لا يُتقَرَّب به إلاَّ إِلَيْهِ.
****
قَوْله: «وكل عالِمٍ»، كل عالِمٍ من العُلَمَاء المُحقِّقِين، «يَعلم هَذَا»، يعرف أنه لا فَرْقَ بَين
المعبودات، سَوَاء أكانت أصنامًا أو غَيرهَا، إِنَّمَا يُفرِّق بينها عُلَمَاءُ
الضَّلاَل، فهناك من العُلَمَاء عُلَمَاء ضَلاَل أَهلَكُوا النَّاس بتضليلهم،
وَلَكِن العَالم الحقيقي يَعترف أنه لا فَرْقَ بَين هَذِهِ المعبودات، فلم
يَقتَصِر عَلَى قِتَال عبدة الأَصْنَام، بل قاتَلَ الَّذِينَ يَعبُدون الملائكة،
والشمس، والقمر، ويَعبُدون الأَوْلِيَاء والصالحين، والذين يَعبُدون المسيح فلم
يُفرِّق بينهم، قَالَ الله سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ
نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ﴾
[التَّوْبَة: 28]، وَهَذَا عموم لجميع المشركين، فلم يفرِّق بينهم سبحانه وتعالى.
قَوْله: «وتشريك غَيره مَعَهُ تَكُون للحيوان» الحَيَوَان يَعْنِي الأَحْيَاء، وَلَيْسَ الحَيَوَان الَّذِي هُوَ البَهَائِم والدواب، وَلَكِن المراد بالحيوان: كل من فيه حياة، «كما تَكُون للجماد» الجمادات: هِيَ الَّتِي لا روح فِيهَا.